15 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا تبقى من النظام السوري؟

28 مايو 2024

على مدى 13 سنة فشل النظام السوري وداعموه من القوى المنطقوية والدولية والمليشيات الطائفية العابرة للحدود في بسط سيطرتها على كامل التراب السوري، إذ لا يزال أكثر من 35% من الأراضي السورية خارج سيطرته، إن كانت تحت سيطرة قوات الأكراد، أو الكيان الخاضع للسيطرة التركية، أو كيان إدلب والذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام، ويعيش على أرضه حوالي خمسة ملايين نسمة. هذا الفشل الذي ميّز النظام السوري وداعميه على مدى تلك الفترة الطويلة عزز عجزهم وفشلهم في القدرة على التحكم بكل سوريا أرضاً ومعابر، وحدود... انشغال حلفاء النظام السوري في ملفات وجبهات عدة، والاستنزاف الذي يحصل لحليفه الروسي في أوكرانيا، أو لحليفه الإيراني في خسارة قياداته العسكرية والسياسية، في حوادث متفرقة، بالإضافة إلى المحاكمات الدولية التي جرت لضباطه الكبار في ألمانيا، وأخيراً في فرنسا، كل ذلك زاد من ضعف النظام السوري، وزاد معه من عدم تعويل المجتمع الدولي على التعاطي معه مستقبلاً، فالمحكمة الفرنسية حكمت على ثلاثة من كبار ضباط الأمن السوري بمن فيهم علي مملوك مدير المكتب الوطني، واللواء جميل الحسن الذي قاد لفترة طويلة المخابرات الجوية، بالإضافة إلى محمود عبد السلام الذي ترأس فريق التحقيق في الجوية، مما جعل ذلك الكثير من ضباط النظام السوري يتحسسون رؤوسهم، ولذا فقد عمد النظام خلال الفترة الأخيرة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإجراء تغييرات وتبديلات في قادتها، أملاً في التهرب من المحاسبة والمحاكمات الدولية. جاء الإعلان عن إصابة أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بمرض سرطان الدم (اللوكيميا) مفاجئاً للسوريين ولكل متابع للشأن السوري، فهذا النظام يفتقر إلى أبسط قواعد الشفافية، ولذا يُنظر إلى هذا الإعلان على أنه مشكوك به، وله مقاصد أبعد من الحرص على الشفافية، وهو نفس النظام الذي أخفى مرض سرطان الدم للرئيس الراحل حافظ أسد لسنوات، ليعلن عن سبب وفاته باللوكيميا بعد رحيله، ولذا فسّر البعض سبب الإعلان على أنه جزء من الصراع على السلطة، والتي لها امتدادات إقليمية ودولية، على أمل السيطرة على ما تبقى من سوريا. يُنظر إلى أسماء الأسد على أنها امتداد بريطاني، ولذا فقد سعت مع بعض الأطراف على تقليص نفوذ إمبراطورية رامي مخلوف الاقتصادية والتي كانت تشكل بحسب الفايننشال تايمز سابقاً 60% من الاقتصاد السوري، ونجحت أسماء مع بعض الاقتصاديين ورجال الأعمال الذين اختارتهم في الاستحواذ على الشركات المالية التي كانت لمخلوف وغيره، ولكن الفساد الذي أزكم الأنوف الذي سببه تعاملها مع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، كان على ما يبدو مدخلاً للمناهضين لها، وتحديداً ماهر الأسد الذي لم يكن على وداد معها طوال عقود، إذ تنظر إليها الطائفة العلوية المؤيدة للنظام على أنها سُنية، ليست من عظام الرقبة، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها ولا الاعتماد عليها، ولذا فعلى هذه الخلفية بنظر البعض جاء إبعادها من المشهد بطريقة تعدّى المرض، إذ إن مرض السرطان ليس بحاجة للعزل، ولا للتباعد الاجتماعي، مما أثار مخاوف البعض في أنها قد تكون مستهدفة بالتصفية لاحقاً. وما دمنا نتحدث عن فساد أسماء الأسد وطاقمها والنظام بشكل عام في استغلال الدعم الإغاثي الدولي وتوزيعه على محازبيه، فقد ألمحت منظمات الأمم المتحدة أخيراً إلى أن المرحلة المقبلة المعنية بمشروع التعافي المبكر، لن تقبل أن تتعامل مع الأجهزة السلطوية السابقة، وستحرص منذ الآن على التعامل مع مجالس محلية لكل بلدة أو مدينة على أمل إيصال المساعدات للمحتاجين الحقيقيين، ولكن كل من عرف النظام السوري، يدرك أنه قادر على اختراق كل الأجهزة والمجالس المحلية وغيرها من مؤسسات، وذلك من أجل تجيير المساعدات الدولية للأشخاص أو للجهات التي يريدها. الواقع السوري يصرخ بشكل يومي أن الحاضر الوحيد في المشهد السوري اليوم هو غياب النظام السوري، فاليوم هناك عشرة جيوش أجنبية على الأرض السورية، وهذه الجيوش هي التي تسير الحياة السورية، ومسألة النظام غدت هامشية، لا وجود لها، سوى تبرير شرعية وجود هذه الجيوش، بل إن هذه الجيوش هي من يقوم بكل المهام العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي من المفترض أن يقوم بها النظام، فلأشهر ربما لم نسمع عن وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد، الأمر الذي يؤكد صدق ما نقوله، بأنه نظام لا وجود له، وما قدمه ويقدمه رأس النظام السوري في قمة المنامة، من عدم السماح للأجانب مثلاً بدخول المسجد الأموي إلاّ بعد موافقات أمنية مثير للضحك، فهذا النظام منذ حافظ الأسد وحتى اليوم، وهو يلعب هذه الورقة من أجل تخفيف الضغوط عنه، ولكن في الحقيقة والواقع الكل يعلم اليوم أنه نظام ليس له من الأمر شيء، والتعويل عليه في تطبيق ما يتعهد به، غير ممكن، ما دامت تعهداته السابقة وقت الرخاء لم يكن ينفذها، فكيف وهو الآن بوضعية كهذه.