16 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا يجري في إدلب؟

21 مايو 2024

لثلاثة أشهر ونيّف تشهد إدلب حراكاً شعبياً بلغ بضعة آلاف من المتظاهرين المطالبين برحيل إدارة الأمر الواقع بزعامة أحمد حسن الشرع المعروف بالجولاني، ويطالب الحراك الشعبي الذي يضم شرائح شبه متناقضة في تضاعيفه من حزب التحرير، إلى بعض مشايخ الصوفية، وبعض علماء السلفية الذين كانوا لوقت قريب مع (الجولاني) نفسه ولكن خرجوا عليه لاحقاً، ومعهم شريحة من حرّاس الدين الذين لا يزالون على بيعة تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى مجموعة أحرار الشام المنشقة، بينما أحرار الشام الشرعية بزعامة عامر الشيخ، لا تزال مصطفة مع الجولاني، ومن ضمن الحراك شخصيات ساهمت في تأسيس حكومة الإنقاذ في إدلب، لتنقلب عليها لاحقاً بعد أن انتهت مهمتها، وهناك ناشطون أيضاً مع الحراك، وقد شكل عودة البعض الذين التحقوا بالحراك إلى صف هيئة تحرير الشام ضربة قوية للحراك، حين تم تعيين دكتور الشريعة والشيخ الحلبي المعروف إبراهيم شاشو كرئيس للتفتيش القضائي مما أحرج المشايخ الذين يتصدرون لهذا الحراك، لشخصيته الرصينة التي يثق بها الجميع لاسيما بعد تعيينه في مفصل قضائي مهم، كان المفصل ذاته مثار اعتراض من قبل الحراك، مما يشير إلى جدية الهيئة في معالجة القصور القضائي الذي وقع خلال الفترة الماضية. بدأ الحراك على خلفية اعتقال ما عُرف بخلية العملاء، حيث اتُّهم عدد من العسكريين والأمنيين بالعلاقة مع النظام السوري، فاعتقلوا وعذبوا بشكل بشع كما رووا لاحقاً، من قبل إدارة من إدارات الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام، وبعد كشف حقيقة ما جرى تم الإفراج عنهم والاعتذار لهم، والتحق أكثرهم بجبهاتهم ومقرات عملهم، ولكن اعترض آخرون فدخلوا في حراك، ضد ما جرى لهم من تعذيب وإهانة، ولكن بعد أن رأوا أن الحراك تعدّى ما يطالبون به، تخلوا عنه، فإما لزموا الصمت أو عادوا إلى عملهم ومناصبهم في هيئة تحرير الشام، لكن ومع هذا ظلت كرة ثلج الحراك تكبر، بحيث التحق بها كل من له مشاكل سابقة مع الهيئة، ومع دخول الحراك شهره الرابع، حيث لم يُتعرض له ولمظاهراته أحد، فقد عجز عن حشد سوى بضعة آلاف، وفي أحيان كثيرة بضع عشرات من الأشخاص في مظاهراته بالبلدة الواحدة، ليتطور الأسبوع الماضي إلى اعتصام وسط مدينة إدلب، وهو ما أرّق سلطة الأمر الواقع في أن يشلّ الحياة العامة، لاسيما بعد أن اشتكى وجهاء إدلب من حالة الضجيج والصخب الذي صاحبت المعتصمين والمحتجين إلى ما بعد منتصف الليل وهم يقرعون الطبول، ويهتفون، الأمر الذي أزعج سكان المدينة، وأزعج الأطفال، وحتى الطلبة الذين يستعدون لامتحانات البكالوريا. نجح الحراك طوال الأشهر الماضية، في البقاء على سلميته، وتنظيمه، ونجحت حكومة الإنقاذ في السماح له بالتعبير عن نفسه طوال الأشهر الماضية، مما جعل البعض يتفاخر أنها المرة الأولى في تاريخ سوريا الحديث يتظاهر فيها متظاهرون، ثم يعودون إلى بيوتهم مساءً دون اعتقال أو حجز، وهي حالة إيجابية تسجل للمتظاهر، والحكومة في نفس الوقت. دفعت هيئة تحرير الشام في الجمعة الماضية قواتها العسكرية للدخول إلى المدن والبلدات، لمنع الحراك من حشد مظاهرته في إدلب، وهو ما تسبب في صدام بسيط سقط فيه جرحى في صفوف الطرفين، وتسبب في اعتقال بعض رموز الحراك ليُصار إلى الإفراج عنهم فوراً، فتدخل ناشطون وأكاديميون وعرضوا مبادرة تتضمن سحب القوى العسكرية من المدن إلى الجبهات مقابل وقف التظاهر، والدخول في مفاوضات دون قيد أو شرط. وافقت سلطة الهيئة على العرض، وبدأت بسحب المظاهر العسكرية، لتوافق لاحقاً قيادة الحراك على الدخول في المفاوضات. ويطالب الحراك اليوم بسقف عال تراه الهيئة، لا يمكن القبول به وهو رحيل الجولاني، وتفكيك جهاز الأمن العام، وهو ما ترفضه سلطة الأمر الواقع، وتراه مستحيلاً، فقيادة الجولاني لهيئة تحرير الشام، قيادة عسكرية لا علاقة للمدنيين بها، أضف إلى ذلك بأن لا أحد طالب أي فصيل ثوري عسكري سوري بتبديل قادته طوال السنوات الماضية من الثورة، وبخصوص تفكيك جهاز الأمن العام، فترى الهيئة أنه قد قام بدور كبير خلال السنوات الماضية في تطهير المنطقة من تنظيم داعش، وبدونه لما تمكن الأهالي من العيش باستقرار وسلام في السنوات الماضية، هذا بالإضافة إلى تأمين المنطقة من اللصوص والسراق، وفوق هذا تأمينها من اختراقات النظام وحلفائه، ولكن ما حصل من تعذيب لعشرات المجاهدين بحجة العمالة ضرب سمعة الجهاز بشكل خطير وعميق، وهو ما ألجأ قيادة الهيئة إلى إلحاق جهاز الأمن العام بوزارة الداخلية، وسحب عدة ملفات منه لصالح الداخلية، وهو ما أراح البعض، ولكن لا يزال الحراك يطالب بحله، وهو أمر سيكون له تداعيات أمنية خطيرة على الشمال السوري المحرر بنظر الهيئة والقوى المتحالفة معها.