16 سبتمبر 2025

تسجيل

أفغانستان.. الوجه الجديد 2 نجل الملا عمر يستذكر والده

18 يونيو 2024

في الحلقة الثانية من زيارتي إلى أفغانستان.. الوجه الجديد. أفتح حلقة مهمة في دفتر الماضي الطالباني، وهي فترة اختفاء الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان، رحمه الله. كانت وجهتي للقاء نجله ملا محمد يعقوب ووزير دفاع الإمارة الإسلامية الأفغانية، وأجدني قبل أن أبدأ الحديث التاريخي الممتع والشيق مع الملا محمد يعقوب، من الضروري أن أسجل إعجابي بالمترجم الشخصي للملا، وهو الشاب المرتب والمؤدب والمجدّ روح الله الأفغاني، والذي كانت لغته العربية في غاية الجودة والإتقان. كان حين يتحدث العربية يتحدثها كنهر دافق، وبمخارج حروف عربية مبينة، أو كمن يعزف على قيثارة كما وصفه مسؤول عربي أثناء قيامه بدوره في ترجمة كلام الملا يعقوب للمسؤول العربي. في بيته وسط العاصمة الأفغانية كابول آثر الملا محمد يعقوب وزير الدفاع الأفغاني استقبالنا فيه، حيث عاجلني وهو يحضنني كعادة الأفغان، لقد فضّلت لقاءك في بيتنا، لكونك أحد الإعلاميين القلائل الذين التقاهم الوالد رحمه الله. جلسنا على الأرض تماماً كما جلستُ يوم التقيت والده عام 1995 تحت شجرة ضخمة في قصر مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة أحمد شاه الأبدالي 1724- 1774 وسط العاصمة الروحية الطالبانية قندهار. يومها افترش الملا رداءه (البتو) الأفغاني على الأرض، لنتشاطر الجلسة عليه سويا. بين الأمس واليوم ظهر أن مياهاً كثيرة جرت، لكن الواقع غير هذا، إذ إن الزمن لم يتغير كثيراً هنا في أفغانستان، فقد عادت طالبان كيومها يوم ولدت، وبرز قادتها كحكام جدد، وانزوى معارضوها إلى الدول المجاورة، تماماً كما حصل يوم هزيمة خصومها عام 1996، باستثناء تحصن قائد المعارضة يومها بجيب بنجشير ثم بدخشان. طوال الساعتين من الحوار الممتع والشيق مع الملا محمد يعقوب مضتا كالبرق، بحيث شمل الحديث أوضاع الإمارة الإسلامية الأفغانية الداخلية، وما حققته وأحرزته خلال السنوات الثلاث الماضية، ومعها الحديث عن العلاقات مع دول الجوار وتحديداً مع باكستان، وحالة التوتر بخصوص وجود مقاتلي حركة طالبان باكستان على الأراضي الأفغانية، لكن ظلت بوصلة الحديث الذي أودُّ توجيهها باتجاه اللغز الذي لا يزال يُحيرني ويُحير كل من تابع ويتابع حركة طالبان الأفغانية، ألا وهو كيف تواصل الملا محمد عمر مع نجله، وقادة طالبان طوال فترة اختفائه. سألته بشكل مباشر، وواضح عن تلك الفترة، وأضفت عليها ممازحاً كان رئيس الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق المحجوب عندما اختفى لسنوات عن أعين الحكم السوداني، قد سئل بعد أن خرج للعلن، عن تجربته خلال فترة اختفائه، فردّ قائلاً: لن أتحدث عنها، لأنني قد أحتاجها؟ ضحك الملا محمد يعقوب، وبدأ حديثه بالقول سأحدثك عن تفاصيل لم نتحدث بها من قبل، فيما يتعلق بتواصل الوالد معنا، وكيف علمنا بوفاته. اعتدل الملا محمد يعقوب في جلسته، وكأنه في حضرة والده، ثم بدأ حديثه قائلاً: (حين بدأ الاحتلال الأمريكي لبلدي أفغانستان عام 2001، كان عمري ثماني سنوات فقط. كنت أتلقى العلم الشرعي على يد مولوي محمد جمعة عمّ والدي، والذي كان أستاذه أيضاً، وكعادة الدراسة الأفغانية، تلقيت العلوم الشرعية، بحسب المنهج الأفغاني، ثم التحقت في مدرسة بكويتا خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الأمريكيين. كنا نقوم بتغيير بيتنا كل عدة أشهر، نتيجة الحاجة الأمنية. لم يكن أحد من زملائي يعرف أنني ابن الملا محمد عمر، كانت الوالدة توصينا بشكل دائم ومستمر بالتزام السرية، ونظراً لكوننا نعيش في منطقة مكتظة بالمهاجرين، القادمين من ولايات ومناطق أفغانية مختلفة، فقد سهّل علينا ذلك عملية الاختفاء والذوبان وسطهم، دون أن نتعرض لكثير من الأسئلة عن أنفسنا). توقف الملا محمد يعقوب، ليستعيد بعض الذكريات، وربما يستعيد معها بعض اللحظات الطفولية التي قضاها مع والده والتي لا يذكر منها إلا لماماً، استغليت صمته لأسارع إلى جوهر المسألة، فسألته، إذن فكيف كان يتم التواصل مع الوالد خلال فترة الغيبة التي امتدت لسنوات، اعتدل ثانية في جلسته، وجمع نفسه مرة أخرى ثم تابع قائلاً: (كان تواصل الوالد عبر أشرطة الكاسيت التقليدية، إذ كان يرسل رسائله المتعددة لمختلف القادة والمسؤولين، وأحياناً يتم التواصل عبر إرسال رسائل شفهية مباشرة، وكان أول مرة أسمع صوته بعد ثلاثة أشهر من اختفائه، حين تحدث معي هاتفياً وذلك عبر هاتف مربوط بالأقمار الاصطناعية، وكانت فرحتي لا توصف).‫