17 سبتمبر 2025
تسجيلحركة طالبان الأفغانية التي ظهرت أواخر عام 1994، متهمة بأنها خرجت من رحم المدارس الدينية الباكستانية، وتوصم بالعلاقة مع كبار علماء باكستان، نظراً لأن كثيراً من قادة وأتباع الحركة درسوا في هذه المدارس، وهي نفس الحال الذي حدث مع الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، أسأل الوزير الأفغاني أمير خان متقي عن طبيعة العلاقة والتأثير العلمائي الباكستاني اليوم على إمارة أفغانستان، فيرد بسرعة: (علاقة ثنائية بين البلدين وتواصل الشخصيات البارزة بين الطرفين بشكل عام تعود إلى قديم الزمان؛ فإن أفغانستان وباكستان كبلدين مجاورتين لدينا علاقات ودية مع رموز قيادات دينية وسياسية في باكستان ولا نريد العداء، هذا ليس فقط مع باكستان بل مع جميع الجيران خاصة وأننا نعمل وبجد لتوطيد العلاقات الودية بين البلدين والشعبين الشقيقين الأمر الذي يخدم المصالح المشتركة). أنتقل إلى مربع آخر ويعني التعاطي مع المعارضة السياسية الأفغانية، فيسارع وزير الخارجية إلى القول بأن: (باب الإمارة مفتوح وأفغانستان بيت للجميع، ألا ترون أن قيادات سياسية متواجدون في كابول، فلدينا السيد قلب الدين حكمتيار مقيم في كابول، وكذلك السيد عبد الله عبد الله الذي كان وزيراً للخارجية والرئيس السابق حامد كرزاي وعدد من زعماء وقادة الأحزاب السياسية السابقة والشخصيات السياسية، وندعو الكل إلى العودة والمشاركة في بناء أفغانستان الجديدة). وحين لفتُّ انتباهه إلى الواقع الاقتصادي الجديد، قال: (إن الوضع أفضل مما كان لحظة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن قيمة السعر العملة الأفغانية ثابت طوال السنوات الثلاثة الماضية واحتفظنا بقيمة الأفغانية مقابل دولار بشكل ملموس، بالإضافة إلى تحسن العقارات في كابول وغيرها من الولايات الأفغانية، وينبغي الإشارة إلى أن كابول تشهد تقدما ملموسا في التنمية العمرانية ربما لم يمر عليها حالة سريعة لتعبيد الطرق كما هي عليه اليوم، أما تحسن العقارات فيشير بنظري إلى ثقة الناس في النظام الجديد، فمثلاً العقارات في كابول بدأت تتدفق نحو الأفضل، وأما العقارات في قندهار مثلاً فقد ارتفعت إلى الضعف، ومعلوم أن بعض الاقتصاديين يضعون معيارين لتحسن اقتصاد البلدان وهما تحسن العملة المحلية ووضعية العقارات. ويضيف الوزير الأفغاني كرد على العقوبات الأمريكية على حكومته فيقول: (إن العقوبات الاقتصادية التي سعت أمريكا من خلال تجميد أموالنا في الخارج، بالإضافة إلى الضغط على الدول الأخرى لمقاطعتنا قد فشلت في خنق الإمارة الإسلامية، والدليل على ذلك تحسن علاقاتنا مع معظم الدول في المنطقة والعالم، إذ لدينا أكثر من 38 سفارة وقنصليات معها، يضاف إليها قدرتنا على فتح 15 مصنعاً ضخماً خلال السنوات الثلاث الماضية، ومنها مصانع تتعلق بالحديد، حيث نقوم بتصديره، وكذلك قمنا بتزويد العراق ببعض عقاقير اللقاح، ونحن بالأصل بلد زراعي ولذلك نقوم على الاعتناء بالزراعة وتسويقها وتصديرها). وكانعكاس مباشر على حياة الناس اليومية يشير وزير الخارجية إلى فاتورة الكهرباء المتدنية للأهالي، على الرغم من أن غالبية الكهرباء تأتي من الدول المجاورة، وهو ما حرص عليه الاحتلال الأمريكي، ولكن مع هذا يقول الوزير: (تتكفل الدولة سنوياً بمائة مليون دولار كدعم للكهرباء من أجل التخفيف عن الأهالي). وحين أسأله عن مصدر هذه المائة مليون دولار يقول لي بدون تردد: (إنها تأتي من عائدات السدود التي تنتج الكهرباء للدولة وتنفق معظم إيرداتها لدفع جزء من فواتير الكهرباء الواردة من دول الجوار، فالهدف الأساسي للإمارة هو التخفيف عن الأهالي، وقد قمنا خلال السنوات الثلاث بتعبيد عدد من الشوارع والطرق إن كان في كابول وما حولها أو في المدن الرئيسية، وذلك من أجل التسهيل على أهلنا في أفغانستان). لا يقوى أي مسؤول أفغاني تلتقيه أن يقاوم عدم الحديث عن ذكريات سنوات القتال ضد الأمريكيين، والتي شكلت ذاكرة الحركة الطالبانية، يروي لي الوزير الأفغاني ذكرياته مع الأمير الثاني للحركة أختر محمد منصور وشجاعته وقدرته الرائعة على الإدارة والعلاقات العامة، ويستذكر كيف تمكن من خديعة من أرادوا قتله في السيارة التي كانوا فيها بداية الغزو الأمريكي، فغافلهم والتقط بندقيته التي كانت بين رجليه وقتلهم جميعاً، ثم ينتقل الوزير إلى حديثه عن أختر محمد منصور وهو يقود مجموعات المجاهدين في جبال بغرام غربي كابول في الوقت الذي كانت الطائرات الأمريكية تقصف مواقع طالبان. ويشير الوزير الأفغاني أيضاً إلى مسألة مهمة في العلاقة بين السياسي ورجل الدولة من جهة، وبين العلماء والمشايخ من جهة أخرى، فيقول: (إن الملا محمد عمر بالإضافة إلى أنه كان طالب علم فقد كان عاقلاً حكيماً وسياسياً وإدارياً فريداً، ولذا هنا تكمن الفجوة بين السياسي الحكيم ذي البصيرة والعقل والحكمة، وبين من لديه العلم من الحديث ونحوه، لكنه يفتقر إلى البصيرة والتدبير والحكم). أنتقل إلى ساحة حوار أخرى وهي كيف تمكنت الإمارة الإسلامية الأفغانية من ضبط مشاعر ملايين الأفغان وطوال عشرين سنة من الاحتلال بحيث لم تقع حوادث انتقام شعبية رداً على الانسحاب، حين انصاع الشعب الأفغاني لقرار عفو الإمارة المصدق من علماء أفغانستان، يعتدل الوزير أمير خان متقي ليقول: (لقد رأى العالم كله مشاهد إهانة أجساد شهدائنا خلال فترة الغزو الأمريكي الممتدة لعشرين عاماً، ورأى معه العالم كله مشاهد الإذلال والاحتقار التي كانت تجري لبيوت الأفغان على أيدي القوات الأمريكية خلال فترة الغزو، ولكن حين فتحنا كابول كان التعامل الجهادي مختلفاً تماما، ولذلك صدر قرار الإمارة الإسلامية، والذي صادق عليه العلماء، والتزم الجميع بالقرار، ولم يحصل أن خالف القرار أحد، مما يؤكد قوة ونفوذ الإمارة والعلماء في نفسية الشعب الأفغاني، الذي عرف أنه بمخالفته لقرار السلطة والعلماء، سيأثم؛ لأنه حرام شرعاً).