12 نوفمبر 2025
تسجيلرغم تضاعف الصيرفة الإسلامية وتناميها بصورة سريعة في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن حجمها لم يتعد 1086 مليار دولار في العام الماضي 2011 وهو ما يشكل نسبة 1% فقط من إجمالي الصيرفة العالمية، ذلك ما تناولته الندوة التي نظمها الأسبوع الماضي مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بأبوظبي بالتعاون مع معهد الدراسات الجيو- سياسية في باريس والتي أبرزت اهتماما أوروبيا بالصيرفة الإسلامية، وذلك لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها تزايد الأهمية الاقتصادية للبلدان الإسلامية وارتفاع أعداد المسلمين في أوروبا، حيث افتتح أول مصرف إسلامي في القارة العجوز في بريطانيا في عام 2004، وهو مصرف بريطانيا الإسلامي. ويبدو أن الصين تحاول دخول هذا العالم من خلال منح أول تصريح لإقامة أول مصرف إسلامي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ يعمل في الوقت الحاضر أكثر من 310 مؤسسات مالية إسلامية في أكثر من 75 دولة، حيث تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورا محوريا في عالم الصيرفة الإسلامية، خصوصا بعد الإعلان عن النية لتأسيس أكبر مصرف إسلامي برأسمال 100 مليار دولار، حيث اختيرت البحرين لتكون مقرا لهذا المصرف العملاق. ويأتي تأسيس هذا المصرف لسد ثغرة كبيرة في عمل المصارف الإسلامية والتي استحوذت حتى الآن على نسبة مهمة من الصيرفة المحلية في كل بلد إسلامي، إذ تبلغ هذه النسبة %20 على سبيل المثال في دولة الإمارات، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من دخول سوق التمويل الدولي والذي يحتاج لقدرات مالية كبيرة لا تتوفر في المؤسسات الإسلامية القائمة حاليا. ورغم هذا الاهتمام والتوجهات العالمية، إلا أن الصيرفة الإسلامية تواجه العديد من التحديات التي ربما تعيق توجهها نحو العالمية إذا لم يتم تذليل هذه التحديات والتي تكتسي طابعا شرعيا ومهنيا معقدا، ففي الجانب الشرعي هناك تفاوت كبير في الفتاوى التي تصدرها هيئات الفتوى في كل مصرف إسلامي، بل إن بعضها يتناقض تماما مع فتاوى مماثلة، مما يخلق إشكاليات عديدة لسير العمل في المصارف الإسلامية. ويعبر هذا التفاوت في الفتاوى عن المنافسة بين المصارف الإسلامية، فبعض الأدوات المالية التي يتم التعامل بها في بعض المصارف، تعتبر محرمة أو غير مرغوبة في مصارف إسلامية أخرى، مما قد يؤدي إلى عرقلة الأخذ بهذه الأدوات والتي تعتبر مهمة للعمل المصرفي بوجه عام. أما في الجانب المهني ومع أن أحد أهم أسس الصيرفة الإسلامية يقوم على مبدأ الاشتراك في الربح والخسارة، فإن معدل الفائدة في المصارف الإسلامية يسير بخط متوازن مع الفوائد في البنوك التقليدية، صعودا وهبوطا، وذلك وفق سعر الفائدة على "الليبر" في سوق لندن المالية. ومع أن دوائر الفتوى في المصارف الإسلامية تنظر حاليا في إيجاد بديل لهذا الارتباط، إلا أن الحقيقة الراهنة تشير إلى أن الصيرفة الإسلامية، هي جزء من الصيرفة العالمية، وستبقى كذلك بحكم ارتباط اقتصادات البلدان الإسلامية بالاقتصاد العالمي وتكاملها معه، فالعولمة الاقتصادية لا تتيح مثل هذا الفصل، خصوصا أنه كما رأينا آنفا أن هناك توجها جديدا يرمي إلى نقل الصيرفة الإسلامية للسوق العالمية والتي لا يمكن تجزئتها. ومما يؤكد عملية الارتباط القوية بين الصيرفة الإسلامية والعالمية، تلك التأثيرات التي طالت الصيرفة الإسلامية جراء الأزمة المالية العالمية، وذلك رغم أن هذه التأثيرات كانت أقل وطأة من تلك التي نالت المصارف التقليدية، وذلك بسبب تحريم تعظيم الأصول دون أسس مادية وعدم تعامل المصارف الإسلامية بالمشتقات المالية والتلاعب بها والتي كانت سببا رئيسا للأزمة. إن توجه الصيرفة الإسلامية للعالمية أمر مهم ولابد منه، إذا ما أرادت أن تخرج من النطاق المحلي، وتستجيب للاهتمام عالميا بها، مثلما هو الحال لدى المصارف الفرنسية، إلا أن ذلك يتطلب حل الإشكاليات الشرعية والمهنية القائمة في الوقت الحاضر، فالتعامل في أسواق المال الدولية مختلف تماما عن الأسواق المحلية والإقليمية، فهناك أدوات ومشتقات مالية معقدة ويصعب التعامل معها من نواح فقهية فقط، كما أن هناك بورصات كبيرة للسلع والذهب والنفط، وهي تتعامل بمليارات الدولارات يوميا، مما يضع أعباء كبيرة على المؤسسات المالية بسبب حجم وسرعة التعاملات. أما في حالة حل هذه الإشكاليات أو التقليل من تناقضاتها، فإنه يمكن للصيرفة الإسلامية أن تشكل جزءا مهما من الصيرفة العالمية وتتكامل معها ضمن توافق بين ما هو شرعي ومهني، إذ لا يمكن لأحد منهما أن يلغي الآخر في ظل الصيرفة الإسلامية.