06 نوفمبر 2025

تسجيل

مصادر الطاقة والأزمة الأوكرانية

09 مارس 2014

خلف الأحداث الدامية في أوكرانيا تختفي الكثير من القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للأطراف الدولية المتنازعة هناك، فأوكرانيا تاريخيا هي التوأم لروسيا منذ عهد القيصرية ودولة "كيفسكيا روس" في العصور الوسطى والتي ضمت الدولتين معا، كما أنهما شكلتا أهم أسس الاتحاد السوفيتي وتمركزت في أوكرانيا صناعات مهمة، كصناعة الطائرات.ورغم توفر العديد من الثروات الطبيعية والزراعية، إلا أن أهم مشاكل أوكرانيا تكمن في فقرها بمصادر الطاقة والتي تعتمد فيها بدرجة كبيرة على جارتها روسيا، سواء في العهد السوفيتي أو في الوقت الحاضر، مما أوجد صعوبة في محاولات الغرب ممثلا في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فصل "التوأم" خلال العشرين عاما الماضية، إلا أن مستجدات عديدة حدثت في تكنولوجيا الطاقة أتاحت إمكانية استغناء أوكرانيا عن إمدادات الطاقة الروسية، أي إنتاج النفط والغاز الصخريين، حيث تشير التقديرات الأولية إلى توافرهما بصورة كبيرة في الأراضي الأوكرانية.وينوي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استثمار مليارات الدولارات لتطوير مكامن النفط والغاز في أوكرانيا والتي قد تصبح دولة مصدرة الى جانب اكتفائها الذاتي، إلا أن ذلك قد يؤثر في إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا والتي تمر في الوقت الحاضر عبر الأراضي الأوكرانية وتمد أوروبا بـ 30% تقريبا من احتياجاتها من الغاز.إلى جانب هذه القضايا الاقتصادية، فإن هناك دون شك جوانب استراتيجية وأمنية وسياسية تتمثل في وجود الأسطول الروسي في منطقة القرم ذات الحكم الذاتي والتي قد تنفصل عن أوكرانيا في حالة استمرار الصراع، علما بأن الغرب يحاول الحد من التأثير الروسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة والتي ترتبط بعلاقات قوية مع روسيا بحكم ترابط مصالحها الاقتصادية، حدث ذلك مع جورجيا قبل خمس سنوات تقريبا ويحدث حاليا مع أوكرانيا.إشكالية الاتحاد الأوروبي أنه يريد تخفيض اعتماده على إمدادات الطاقة الروسية، وفي نفس الوقت لا يرغب في إنتاج النفط والغاز الصخريين في أراضيه بسبب الأضرار البيئية التي تنجم عن عمليات الإنتاج هذه، خصوصا أن منظمات حماية البيئة تقاوم بصورة مستمرة سعي بعض بلدان الاتحاد المباشرة في الإنتاج الصخري إلى درجة استدعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند للتصريح بأن هذا النوع من الإنتاج لن يحدث في فرنسا ما دام هو رئيسا لهذا البلد.إذن البديل الممكن هو تطوير إنتاج النفط والغاز الصخريين في بلدان أوروبا الشرقية، وبالأخص أوكرانيا والسعي إلى ضمهم إلى الاتحاد الأوروبي، علما بأن هذه البلدان بحاجة لمصادر الطاقة إلى جانب احتياجاتها لعوائد إضافية لتمويل مشاريعها التنموية والتي تعتمد فيه حاليا على الخارج، حيث بلغت الديون الخارجية لأوكرانيا وحدها 140 مليار دولار.بذلك يستطيع الاتحاد الأوروبي وبدعم من الولايات المتحدة اصطياد عدة عصافير بضربة واحدة تتمثل في تلبية جزء من احتياجاته من الطاقة من مصادر غير روسية، وبالتالي التقليل من ضغوط موسكو عليه، وثانيا إبعاد أوكرانيا عن روسيا وتقريبها من الاتحاد الأوروبي وضمها إليه لاحقا وثالثا تفادي الأعضاء الغربيين في الاتحاد للأضرار البيئية التي ستنجم في حال اضطرارهم إلى إنتاج النفط والغاز الصخريين في أراضيهم.في المقابل تسعى روسيا إلى حماية الوضع القائم حاليا، فأوكرانيا تمثل عمقا استراتيجيا وأمنيا لها، كما أن استمرار الغرب في الاعتماد على إمدادات الغاز الروسية يشكل عامل ضغط كبير ويحقق لموسكو مكاسب، إذ إننا نرى في الوقت الذي تركز واشنطن انتقاداتها لروسيا في العديد من القضايا الدولية، فإن الاتحاد الأوروبي عادة ما يلعب دور التهدئة ليتجنب غضب القيصر الروسي.إذن الأزمة الحالية لا تتعلق بالشعارات المعلنة، إذ إنه تمت في أوكرانيا انتخابات شفافة شارك الاتحاد الأوروبي في الإشراف عليها، وإنما نحن أمام صراع مصالح اقتصادية ومحاولة للتحكم في مصادر طاقة موعودة سيترتب على عملية استخراجها عواقب استراتيجية وأمنية عديدة.