09 نوفمبر 2025

تسجيل

تذبذب أسواق المال الخليجية

28 أبريل 2013

تمكنت أسواق المال العالمية "البورصات" في معظم بلدان العالم من استعادة حيويتها وعادت مؤشراتها لفترة ما قبل الأزمة المالية، بما فيها أسواق المال في البلدان المتقدمة، كالولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والأسواق الآسيوية الصاعدة وبلدان الاتحاد الأوروبي رغم استمرار معاناتها من تداعيات الأزمة. وحدها أسواق المال الخليجية ما زالت تذبذباتها الحادة مستمرة ولم تعكس اتجاهها حتى الآن، إلا في حدود ضيقة لا تتناسب والأوضاع الاقتصادية والنمو السريع في دول مجلس التعاون والتي يفترض أن تستعيد أسواقه المالية حيويتها قبل غيرها من الأسواق. ويدعو ذلك المراقبين والمستثمرين للتساؤل حول الأسباب التي تحول دون ذلك، فالانفصال أو التناقض بين الأوضاع الاقتصادية الجيدة والتقلبات في أسواق المال الخليجية يعطي انطباعات خاطئة ويقلل من ثقة المستثمرين باعتبار الأسواق المالية انعكاسا للأوضاع الاقتصادية بشكل عام. وهناك بالطبع العديد من الأسباب والعوائق التي يمكن حلها لتتجاوز أسواق المال الخليجية أزمة الثقة التي تعاني منها. بالتأكيد ليس المطلوب أن تصل المؤشرات إلى مستويات ما قبل الأزمة، كما هو الحال في الأسواق الدولية، إذ إن الأسواق الخليجية عانت أكثر من غيرها من عمليات مضاربة مبالغ فيها، إذ لا يمكن أن يتوقع أحد أن يعاود المؤشر السعودي على سبيل المثال إلى مستوى 21 ألف نقطة، إلا أنه على أقل تقدير يمكن أن يصل إلى النصف، أي 10500، حيث ما زال يراوح مكانه عند 7 آلاف نقطة، وكذلك هو الحال مع بقية أسواق دول المجلس. وضمن الأسباب العديدة، هناك أسباب هيكلية وأخرى إجرائية تتعلق بالأنظمة والقوانين التي تنظم عمل الأسواق الخليجية، فأولا تحولت أسواق المال المحلية إلى أسواق مضاربات، وليس أسواق استثمار متوسط وبعيد المدى يساهم في التنمية، بل إن الاستثمار الأجنبي الذي فتحت له أسواق الخليج الأبواب واسعة دخل هذه الأسواق من باب المضاربات، مما أضر بسمعتها، وذلك بعد أن وجد أن المستثمر المحلي، هو في الأساس مستثمر مضارب، خصوصا وأن هذه الأسواق تفتقد إلى الحماية التي يمكن أن تحد من عمليات المضاربة الموجودة في كافة أسواق المال في العالم، إلا أنه إلى جانب المضاربات التي هي مقيدة بالأنظمة والقوانين الشفافة في الأسواق الخارجية، هناك أيضاً الاستثمار المؤسسي والذي تفتقده البورصات الخليجية بشكل عام. وهنا بالذات يأتي دور الصناديق الاستثمارية الخليجية، بما فيها السيادية والتي تستثمر في جهات الدنيا الأربع، ما عدا أسواقها المحلية، اللهم استثمارها من خلال ملكيتها في بعض الشركات والبنوك المدرجة في أسواق المال المحلية والتي تملكتها حتى قبل تأسيس هذه الأسواق في دول المجلس. وفي جانب آخر، هناك التسريبات التي لا تنتهي والتي تؤجج المضاربات وتسمح بمرور سريع وعابر لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية التي تركز على أسهم معينة، هي أسهم المضاربة والتي تتأرجح أسعارها بصورة كبيرة في فترة زمنية قصيرة تتعلق بالتسريبات وجني الأرباح السريعة ومن ثم الهروب لتسريبات أخرى على حساب المستثمرين الحقيقيين، مما يدمر الثقة في الأسواق. وللأسف، فإن الأنظمة والقوانين لا تحاسب المسربين، إلا في نطاق محدود جدا، مع أنه ليس من الصعب اكتشاف المسرب ومحاسبته، إذ إنه في هذه الحالة لا يسيء إلى سوق المال وحدها، وإنما إلى الاقتصاد ككل ويهز الثقة التي لا تمكن استعادتها بسهولة. أما إدارات أسواق المال، فإنه يبدو وكأن الأمر لا يعنيها، إذ رغم مرور سنوات طويلة على هذه الوضعية غير الطبيعية، فإنها لا تحرك ساكنا ويتمحور عملها أساسا حول العلاقات العامة في الوقت الذي ترى فيه حجم التسريبات والمضاربات المحمومة. حل هذه القضايا وتطوير التشريعات والأنظمة التي تنظم عمل أسواق المال الخليجية وتحد من التسريبات والمضاربات وتشجع المستثمرين المحليين والأجانب على التحول من مضاربين إلى مستثمرين بصورة أساسية - مع إبقاء المضاربات في الحدود المقبولة - ليس بالأمر الصعب، إذ يمكن أن تتعاون إدارات أسواق المال وتحسن من أدائها مع الوزارات المعنية والصناديق الاستثمارية لانتشال أسواق المال الخليجية من وضعها الحالي، ومتى بادر المستثمرون المحليون وصناديقهم الاستثمارية إلى هذا التحول، فإن المستثمرين الأجانب سوف يلحقون بهم، وهذه مسألة تتعلق بالنمو والتنمية المبنية على الثقة والاستقرار في الاقتصادات الخليجية.