04 نوفمبر 2025

تسجيل

القانون المدني كمصدر أساسي للقانون التجاري

27 ديسمبر 2023

حدّدت المادة (2) من القانون التجاري القانون المدني مصدرًا ثالثًا، نعود إليه في حالة غياب النص التجاري الذي يحكم الواقع أو النص المتعلق بالمسائل التجارية، وليس هنا فقط، بل غياب الأعراف التجارية كذلك. وتكمن الأهمية البالغة للقانون المدني كمصدر من مصادر القانون التجاري في أنه الشريعة العامة المنظمة لنشاط الأفراد في المجتمع، فهو المرجع الجامع والمصدر المانع، وما قواعد القانون التجاري إلا فرعٌ اقتضته طبيعة الحياة التجارية من هذا الأصل. يعود السبب في وجوب الرجوع إلى القانون المدني واعتباره المصدر الأخير إلى أن القانون التجاري قد سكت عن الأحكام والقواعد العامة، ولم يأت إلا بالأحكام الخاصة التي تقتضيها طبيعته، ومعنى ذلك أنه لا يستبعد القواعد الأصولية التي جاءت في القانون المدني، بوصفها المرجع العام في الالتزامات والعقود. وتطبيقًا لما سبق ذكره، حين يفتقد القانون التجاري بعض القواعد التي تنظم علاقتها التجارية، نرجع إلى الأصل، فتكون الولاية للقانون المدني، بوصفه دعامة القوانين الخاصة وشريعة الفروع المنبثقة. ولكي نؤكد على حقيقة كون القانون المدني المرجع العام، وذلك في حالة عدم وجود نص أو عرف تجاري، فإن النص التجاري قد يرتد أحيانًا، وبشكل صريح إلى قواعد القانون المدني، كما هو الحال في قواعد الحوالة، وهذا ما نصت عليه المادة (171/1) «يجوز أن تحرر وثيقة النقل باسم شخص معين أو لأمره أو لحاملها. وتتداول الوثيقة طبقًا لقواعد الحوالة المنصوص عليها في القانون المدني إذا كانت اسمية، وبالتظهير إذا كانت لأمر، وبالمناولة إذا كانت للحامل». ويرى جانب من الفقه أنه ليس كل أحكام القانون المدني تطبق على المعاملات التجارية، بل يشترط حتى تطبق أحكام القانون المدني هنا بأن تلائم تلك الأحكام المعنية في التطبيق، مع خصائص البيئة التجارية التي تتمثل في السرعة والائتمان، فإذا كانت القاعدة المدنية لا تتسم بالخصائص سالفة الذكر فتستبعد من التطبيق. وهذا الاجتهاد مردود لعدة أسباب، أولًا: المشرع استنفد جميع المصادر التي يرجع إليها القاضي من أجل إيجاد حكم، ولا خير أمامه إلا القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة، ثانيًا: جاءت المادة الثانية من القانون المدني بعدة مصادر نستقي منها في حالة غياب النص المدني، كالشريعة الإسلامية، والعرف وقواعد العدالة، ما سبق مصادر غنية يصعب غياب الحكم بها. وعند وجود تعارض بين نص آمر في القانون التجاري، والقانون المدني يأخذ كل منهم نفس الدرجة، وتكون الأولوية للنص التجاري وذلك تطبيقًا للقاعدة الفقهية (الخاص يقيد العام)، أما إذا كان أحدهم آمرًا والآخر مكملًا وجب الأخذ بالآمر؛ لأنه لا يجوز الاتفاق على خلافه.