06 نوفمبر 2025
تسجيلتقوم بعض الأعمال المذكورة في القانون التجاري على فكرة المشروع أو المقاولة؛ حيث استند المشرع إلى تلك الفكرة في تفسير تجارية بعض الأعمال، ويستدل على ذلك بنص المادة (5) من قانون التجارة القطري، والتي ذكرت مجموعة من الأعمال تمارس على سبيل الاحتراف، كعمليات النقل البري وأعمال مشروعات الصناعة والنشر وغيرها. وقد جاء بهذا المعيار الفقيه الإيطالي فيفانتي وأردفه الفقيه الفرنسي إسكارا؛ وذلك بعد انتقاد المعايير الموضوعية، حيث إنها تقوم على سند اقتصادي وليس قانونياً. ويقصد بمعيار المشروع أو المقاولة، التكرار المهني للأعمال التجارية المستندة إلى قدر من التنظيم؛ حيث يصبح العمل تجاريًا إذا أخذ شكل مشروع، أما إذا لم يأخذ شكل المشروع وقتئذ يكون العمل مدنياً. بناء على ما سبق نجد أن العمل الواحد قد يكون مدنياً من جهة وتجارياً من جهة أخرى، وذلك بحسب ما إذا كان قد تم من خلال مشروع أو قام به شخص لمرة واحدة، فمثلًا عقد النقل عندما تقوم به شركة يصنف بأنه عمل تجاري، أما إذا قام به شخص عادي، فإنه يصنف بأنه عمل مدني. ووفقاً لهذا المعيار، يُعَد القانون التجاري قانون المشروعات، وهي التي تحتاج إلى غايات القانون التجاري المتمثلة في السرعة وتبسيط الإجراءات وتشجيع الائتمان، وبالتالي تستفيد من خصائصه، في حين لا يتوافر في الشخص العادي الذي يقوم بالعمل التجاري لمرة واحدة. والمشروع عادةً يحاط بمظاهر خارجية تنبئ عنه كفتح المكاتب وجلب العمال وتعيين الإداريين وتكرار العمل وغيرها من المظاهر الأخرى. ومعيار المشروع يقترب جداً من معيار الحرفة، خاصة أن أساسهما واحد، وهو طريقة مزاولة العمل، وذلك بخلاف معياري المضاربة والتداول اللذين يقومان على فكرة طبيعة العمل. ولذا؛ يرى البعض أن المشروع هو الحرفة والحرفة هي المشروع، في حين يرى آخرون أن الأمر فيه اختلاف بسيط يكمن في مسألة التنظيم المادي المسبق – شكل المشروع – حيث يمكن للفرد ممارسة العمل دون أن يأخذ شكلا ماديا مسبقا، مثل البائع المتجول الذي يزاول الحرفة التجارية دون أن يكون له محل موجود. فالمعياران يتحدان في فكرة التكرار ويختلفان في طريقة مزاولة الحرفة. والمثالب والنقد الذي لحق أو أصاب معيار الحرفة هو ذاته الذي أصاب معيار المشروع؛ حيث لا يفسر المعيار الأعمال التجارية التي تكتسب صفتها ولو وقعت مرة واحدة، بالإضافة إلى صعوبة تحديد معنى المشروع، كما يعاب على معيار المشروع، أنه يضفي الصفة التجارية على جميع المشروعات ولو كانت مدنية، كالمشروعات الزراعية وعمل الأطباء والمحامين والمحاسبين الذين يمارسون نشاطهم بصورة مستمرة أو من خلال مكاتب. خلاصة الأمر أن معيار المشروع يمثل جزءاً من الحقيقة؛ حيث يذكر القانون بعضاً من الأعمال التجارية التي لا تتصف بتجاريتها ما لم تمارس في شكل مشروع، إلا أنه لا يمكن أن نستند إليه كمعيار متفرد للتفرقة والتمييز بين الأعمال التجارية والمدنية. وبناء على ذلك نرى أن المشرعين في الدول المختلفة لم يعولوا على معيار واحد لتحديد تجارية أو مدنية العمل، وإنما يجوز الاستناد إليها معا مع الرجوع لنصوص القانون التجاري والتي أوردت الكثير من الأعمال التجارية تسهيلاً لبيان طبيعة العمل، مع تسليم المشرع بجواز القياس على الأعمال المذكورة للتشابه في الصفات والغايات.