09 نوفمبر 2025
تسجيلإذا كانت السرعة تمثل شطرًا من مقتضيات القانون التجاري، فإن الائتمان يمثل الشطر الآخر وهو المسيّر للحياة الاقتصادية، وقلما تجد مشروعًا اقتصاديًا يعتمد في تمويله على القدرة الذاتية لعجزها في الغالب لمحدودية قدرتها مهما أوتيت من أوجه الثراء؛ بل غالب الظن أن يموّل المشروع ويسيّر عن طريق الائتمان الذي يحصل عليه من الغير. والائتمان لا يمنح إلا بوجود ضمان كافٍ، ومن أبرز صور الضمان في العصر الحديث، نظام الرهن؛ بسبب المميزات التي يقدمها لأطرافه، سواء كان ذلك للمدين الراهن بحصوله على مبتغاه عن طريق توفير السيولة من خلال الاقتراض من الدائن المرتهن، أو بالنسبة إلى الدائن المرتهن ذاته والذي يمكنه من إقراض الغير بضمان، فالقانون يضمن له؛ أولًا: حق التقدم على جميع الدائنين عند استيفاء ديونه من ذمة المدين، فتكون له الأولوية على ثمن العقار أو ما يحل محله، وثانيًا: حق التتبع، فيجري وراء الشيء المرهون في أيدي من يكون. والمميزات لا تقتصر على الأطراف بل تمتد إلى الغير؛ إذ يستطيع أن يتحرى أمره، سواء كان مبيعًا أو عينًا مؤجرة أو شيئًا مرهونًا إلى نحو ذلك. وذلك بحسب طبيعة الشيء، فإذا كان عقارًا، فعن طريق السجل العقاري، وإذا كان منقولًا معنويا كالأسهم، فيكون عن طريق شركة قطر للإيداع المركزي للأوراق المالية. ونضرب مثالًا على ما سبق حتى يتسنى لنا فهم الصورة: تسعى شركة طيران لتوسيع مجالها عن طريق إبرام صفقة لشراء مجموعة من الطائرات، ولكن لا تتوافر لديها السيولة المالية الكافية حتى تبرم الصفقة، بالتالي تتجه الشركة إلى رهن الطائرات التي لديها للحصول على تلك السيولة؛ لتتحصل على المبالغ المطلوبة من البنك أو الجهة المعنية بمنح الائتمان مقابل تقديم ضمانات – الطائرات – للوفاء بالتزاماتها. ونجد أن القانون الخاص – بوصفه الميدان الذي يسعى الفرد فيه لضمان تنفيذ التزامه – قد اهتم بنظام الرهن، ونص عليه في أكثر من موضعٍ، كالقانون المدني الذي يمثل الشريعة العامة لهذا النظام، والقانون التجاري، والقانون البحري. وبذلك كفل المشرع القطري وعلى غرار مثيله في الدول الأخرى، حماية الأشياء المختلفة من الأخطار التي تنقص المال من خلال نظام الرهن؛ فحمى الدائن من إعسار المدين في الميدان المدني، ومن إفلاسه في الميدان التجاري. وقد نظم المشرع القطري أحكام الرهن التجاري في المواد 233-247 من قانون رقم (27) لسنة 2006 بإصدار قانون التجارة. والمعيار الفاصل في كون الرهن مدنيًا أو تجاريًا، هو طبيعة الالتزام الأصلي؛ فإذا كان الرهن ضامنًا لدين تجاري فيعد رهنًا تجاريًا، وقس؛ تطبيقًا لقاعدة الفرع يتبع الأصل. وهذا ما أكدت عليه المادة (233) من القانون السابق؛ حيث نصت «الرهن التجاري هو الذي يتقرر على مال منقول ضمانًا لدين تجاري بالنسبة إلى المدين». ولا عبرة لصفة أطراف العقد – الدائن والمدين – فقد يكون كلاهما أو أحدهما تاجرًا، أما إذا كان محل الرهن دينًا مختلطًا؛ أي تجاريًا لطرف ومدنيًا لطرف آخر عُدّ الرهن تجاريًا دائمًا. والقاعدة العامة في الرهن المدني، أنه إذا حلّ أجل الدين ولم يقم المدين بالوفاء حُق للدائن مباشرة إجراءات التنفيذ على المال المرهون، وذلك بعد الحصول على حكم قضائي لمباشرة تلك الإجراءات، ومن ثم توقيع الحجز على المال المرهون، ويلي ذلك الإعلان عن البيع، وهذا – مما لا شك فيه – يخالف طبيعة المعاملات التجارية وقوامها. أما الرهن التجاري، فإذا لم يفِ المدين الراهن عند حلول أجل الوفاء، جاز للدائن المرتهن التنفيذ على المال المرهون بشروط وإجراءات أبسط وأيسر وأسرع؛ حيث لا حاجة للحصول على حكم قضائي، فيكون من خلال تقديم أمر على عريضة إلى رئيس المحكمة بعد مرور سبعة أيام من إعذار المدين بالوفاء، وذلك بمقتضى المادة ( 241) من القانون التجاري القطري والتي تنص على أنه «إذا لم يدفع المدين الدين المضمون بالرهن في ميعاد استحقاقه، كان للدائن المرتهن، بعد انقضاء سبعة أيام من تاريخ التنبيه على المدين بالوفاء تنبيهًا رسميًا أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول، أن يتقدم بعريضة إلى رئيس المحكمة بطلب الأمر ببيع الشيء المرهون كله أو بعضه». والعلة من الاختلاف الواضح بين القانونين على الرغم من وحدة الموضوع، تكمن في أن المشرع قد وضع خصائص المعاملات التجارية نصب عينيه – السرعة والائتمان – وهي ما تتطلب تبسيط إجراءات التنفيذ، وحاول الموازنة بين الأطراف دون أن يجور على أي منهما، فأعطى المدين الراهن المهلة والمجال لحماية سمعته وحفظ ماله عن طريق الوفاء وتلافى البيع الجبري الذي يؤدي إلى اضطراب أعماله وثقة من حوله، وراعى مصلحة الدائن المرتهن في تعجيل الحصول على الوفاء نظرًا لحاجته الدائمة للسيولة النقدية لوفاء التزاماته. فضلًا عن أن الرهن التجاري ينصب على منقولات وسلع معرضة لتقلبات الأسعار والهلاك، فإذا أسقطنا الصبغة المدنية على طبيعة المعاملات التجارية، فلن يحصل الدائن المرتهن على حقه كاملًا، فإن الأخير يحتاج إلى سرعة التنفيذ.