11 نوفمبر 2025
تسجيلقامت بعض بلدان العالم، وبالأخص ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بجهود كبيرة وحثيثة للاستثمار في تطوير ألواح الطاقة الشمسية والتي تعد أحد أهم أوجه الطاقة النظيفة والمتجددة والمسماة بطاقة المستقبل، حيث قدمت الحكومتان دعما ماليا كبيرا للشركات العاملة في البحث العلمي وإنتاج الألواح الشمسية. وبصورة موازية ولكن بهدوء تام كانت الصين تعمل على تطوير هذه الألواح والتي تقدمت بصورة مذهلة في إنتاجها خلال السنوات القليلة الماضية لتقف في الصفوف الأمامية إلى جانب ألمانيا والولايات المتحدة، مع فرق شاسع يتعلق بتكاليف الإنتاج والتي تقل كثيرا عن تكاليف الإنتاج الأوروبي والأمريكي. لقد أوجد ذلك أزمة حقيقية للشركات الألمانية والأمريكية والتي بدأت تواجه صعوبات في تسويق إنتاجها من مواد الطاقة الشمسية في الأسواق العالمية، مما يهددها بالإفلاس، حيث تفاوتت الإجراءات المضادة التي اتخذتها الدولتان الغربيتان لمواجهة المنافسة الصينية الشرسة. وبالنسبة لألمانيا، فقد أوقفت تقريبا الدعم الحكومي المقدم لشركات إنتاج الطاقة الشمسية تاركة إياها تواجه مصيرها الذي تشوبه ضبابية ربما تؤدي إما إلى انتقالها للصين وبعض البلدان الآسيوية أو إلى تصفية أعمالها والتوجه لاستيراد المنتجات الصينية. أما الولايات المتحدة، فإن ردود أفعالها تختلف، إذ إنها قررت مواجهة المد الصيني من خلال وضع قيود شديدة على وارداتها من منتجات الطاقة الشمسية من الصين لتشجيع الإنتاج الأمريكي منها، إذ ربما يساعد ذلك في ترويج التسويق الداخلي في الولايات المتحدة، إلا أنه غير قادر على منافسة الإنتاج الصيني في الأسواق الخارجية. والحقيقة أن هذه التطورات تكتسي أهمية استثنائية ومستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسعى بقوة إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الطاقة الشمسية والتي تزخر بها دول المجلس طوال العام ويمكن أن تشكل بديلا للنفط والغاز، ليس كمصدر للطاقة المستهلكة محليا، وإنما المعدة للتصدير أيضا. وبالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة الموظفة في مدينة مصدر لطاقة المستقبل في العاصمة أبو ظبي والمقدرة بـ 50 مليار دولار ومركز الطاقة الشمسية في دبي بتكلفة 12 مليار دولار، فإن المملكة العربية السعودية تسعى وفق "بلومبيرغ" لاستثمار 109 مليارات دولار بمجال الطاقة الشمسية لتوليد ثلث احتياجاتها من الكهرباء بحلول 2032. وبجانب إنتاج الكهرباء، فإن الطاقة الشمسية يمكن أن تخفض تكاليف إنتاج المياه المحلاة التي تعتمد عليها دول مجلس التعاون الخليجي بصورة شبه تامة في تلبية احتياجاتها من المياه، حيث ستستثمر السعودية وحدها والتي تعد المنتج الأول للمياه المحلاة في العالم مبلغ 80 مليار دولار لإنتاج المياه في العشرين عاما القادمة، مما يعني وجود فرص مهمة لتوفير مبالغ طائلة تنفقها هذه الدول في الوقت الحاضر على إنتاج الكهرباء والمياه في حالة اعتماد التقنيات الصينية، خصوصا أن الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية يرتفع بنسبة كبيرة تتراوح ما بين 8 –10% سنويا. من هنا يعتبر الإنجاز الصيني بتخفيض تكاليف إنتاج ألواح إنتاج الطاقة الشمسية مهما للغاية لدول مجلس التعاون الخليجي والتي لديها جميعا مشاريع لطاقة المستقبل ضمن عملية التحضير لفترة ما بعد النفط لتأمين مصادر نظيفة للطاقة في دول المجلس. وتتمثل هذه الأهمية في العديد من الأوجه، وبالأخص في حجم الإنفاق المخصص لتنمية مصادر الطاقة الشمسية في دول المجلس، فالمبالغ المعتمدة حتى الآن والمقدرة بعشرات المليارات يمكن أن تنخفض إلى ما دون ذلك في حالة دخول شركات الإنتاج الصينية في مناقصات عالمية لبناء محطات إنتاج الطاقة الشمسية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومن جهة أخرى، فقد كسرت التقنية الصينية الاحتكار التكنولوجي الغربي مرتفع التكلفة بصورة مبالغ فيها، مما يتيح ليس لدول الخليج الغنية تطوير إنتاجها من الطاقة البديلة فحسب، وإنما للبلدان النامية الفقيرة الأخرى والتي يؤدي نقص مصادر الطاقة في الوقت الحالي، إما إلى استنزاف مواردها واحتياطياتها من العملات الأجنبية بسبب ارتفاع أسعار النفط، وإما إلى الحد من قدرتها على النمو بسبب نقص مصادر الطاقة لديها. وفي الوقت نفسه، فإن التقنية الصينية سوف تؤدي إلى التوسع السريع لإنتاج الطاقة الشمسية في دول مجلس التعاون الخليجي وإلى اعتماد مشاريع جديدة في السنوات القليلة القادمة، مما سيتيح تحول دول المجلس إلى أحد أهم منتجي ومصدري الطاقة الشمسية في العالم في العقدين القادمين.