08 نوفمبر 2025
تسجيلرغم أنه لا توجد آلية لربط مستويات التضخم وارتفاع الأسعار بسلم الأجور والرواتب، في دول الخليج، إلا أن هذه الأجور والرواتب شهدت في السنوات القليلة الماضية زيادات متتالية في كافة دول مجلس التعاون الخليجي أسهمت في التخفيف من حدة التضخم وارتفاع الأسعار. وتمثل الإجراءات الأخيرة التي اتخذت في بعض دول المجلس، توجها مهما لتحسن مستويات المعيشة، ففي سلطنة عمان تم إقرار اعتمادات إضافية لموازنة العام الحالي بمبلغ 2.6 مليار دولار، كما اعتمد مبلغ مليار دولار في موازنة مملكة البحرين، أما في المملكة العربية السعودية، فقد صدرت مراسيم الملكية سيتم بموجبها ضخ مئات المليارات، بما فيها 66 مليار دولار للإنفاق السكني على مدى السنوات القليلة القادمة، كما منح المواطنون راتب شهرين في خطوة أخرى ترمي إلى المساهمة في الحد من تأثيرات التضخم على الحياة العامة في المجتمع. وتجاوبت الأسواق بصورة فورية مع زيادة الإنفاق العام والأجور، فارتفعت الأسعار، وبالأخص أسعار المواد الغذائية، حيث ترجع بعض الأسباب لعوامل خارجية في بلد المنشأ وبالمضاربات في الأسواق العالمية، إلا أن هناك عوامل محلية يمكن معالجتها والحد من تداعياتها، وبما يحفظ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأسر ولأفراد المجتمع بشكل عام. ولسنا هنا بصدد تحليل العوامل الخارجية، فقد سبق وأن تم التطرق إليها، خصوصا أنه لا يمكن عمل الكثير فيما يتعلق بعوامل التضخم الخارجي المستورد، إلا أن العوامل الداخلية يمكن التعامل معها وتجنب سلبياتها حتى تؤتي الإجراءات الرسمية المتخذة أو كلها والهادفة إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس. وضمن العوامل الداخلية، تأتي مسألة عدم إلمام الموردين والتجار بأهمية استقرار المجتمع لتنمية وتطوير أعمالهم وتجارتهم، ففي الوقت الذي صدرت فيه الزيادات والمراسم السعودية على سبيل المثال ارتفعت فيه الأسعار وخلال أيام قليلة بنسبة %20 وفق بيانات سعودية صدرت مؤخرا، مما أفرغ هذه الإجراءات المهمة من محتواها، إذ أن صرف شهرين إضافيين يشكل زيادة قدرها 17% من الدخل السنوي للموظف. لقد كان مثل هذا التخوف واردا منذ اللحظة التي صدرت فيها هذه الزيادات، وذلك بالاستناد إلى تجارب سابقة مماثلة في دول الخليج، إلا أنه لم يكن من المتوقع أن تكون هذه الزيادات في أسعار السلع بهذه السرعة وبهذه النسبة الكبيرة في فترة زمنية قصيرة. ويمثل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة في دول المجلس في العقود الثلاثة الماضية، حيث انعكس ذلك الاستقرار والنمو على كافة فئات المجتمع، بما فيهم رجال الأعمال والتجار والذين حققت أعمالهم نموا مضطردا بعيدا عن التضخم وارتفاع الأسعار، كما تحسنت بصورة ملحوظة المستويات المعيشية للمواطنين والمقيمين. مثل هذا الاستقرار والنمو المتواصل يجب أن يعمل الجميع على المحافظة عليه، فالاقتصاد وبيئة الأعمال كانا أول ضحايا الأحداث الأخيرة في بعض البلدان العربية والتي ألحقت باقتصاداتها خسائر كبيرة، حيث كان قطاع الأعمال والتجارة في مقدمة الخاسرين. ويبدو أن الموردين ومالكي العلامات التجارية غير مدركين لهذه الحقائق والتي ربما تؤدي إلى تعظيم أرباحهم على المدى القصير، إلا أنها سوف تنعكس سلبا على نشاطاتهم وأعمالهم على المدى البعيد، مما يتطلب التعامل بحكمة وتوازن تميزت بها أسواق المنطقة على مدى سنوات طويلة وتوفرت من خلالها الظروف الملائمة التي أسهمت في تحول أسواق الخليج إلى أسواق إقليمية وعالمية مهمة استقطبت المتسوقين والسياح من مختلف أنحاء العالم. مثل هذا التعامل العقلاني مع موجات ارتفاع الأسعار المفتعلة يحفظ مصالح الجميع، وبالأخص في ظل صعوبة مراقبة الأسعار في الأسواق، حيث لا تتيح الأنظمة مثل هذه الرقابة، كما أن المؤسسات المختصة بمراقبة الأسواق لا تملك الإمكانات والصلاحيات التي تؤهلها للقيام بكبح جماح ارتفاع الأسعار. إذن نحن أمام ظاهرة ذات أبعاد عالمية ومحلية، وبما أن دول المجلس استطاعت أن تعالج الجوانب الخاصة بالأبعاد العالمية من خلال زيادة الرواتب والأجور والدعم المقدم للسلع الأساسية، فإن معالجة الأبعاد المحلية، هي مسؤولية جماعية تخص الجهات الرقابية ومجتمع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، حيث يمكن تدعيم ذلك بتشريعات وأنظمة تساهم في وجود آليات مناسبة للعلاقة بين معدلات التضخم ومستويات المعيشة، والذي بدوره سيساهم في استقرار الاقتصادي وتقوية الروابط الاجتماعية وضمان معدلات نمو حقيقية تتناسب والقدرات الكبيرة التي تتمتع بها دول المنطقة.