04 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ما قبل البوعزيزي لم يكن المشهد العربي أحسن مما هو عليه الآن، فقد كان كالجمر تحت الرماد أو كان كالبركان الخامد المضغوط عليه جيولوجيا، يتحين الفرصة تلو الأخرى ليخرج أحشاءه السائلة والمتفجرة. البوعزيزي كان الرجل الذي تجرأ ووضع الدبوس بين أصبعيه وقام بغرسه بالقشرة السطحية الرقيقة التي كانت تحجب وتمنع البركان من الانفجار. الآن المشهد العربي يكتنفه الظلام، كما يراه البعض، ولكني أرى أشعة تبزق من بين الركام الذي أحدثته الثورات المضادة، لاشك أن استقرار الأنظمة العربية بعد موجة الانقلابات في العالم العربي تأسست عليها مصالح كبيرة وخلقت بين ظهرانينا ملوكا أكثر من ملك، وجعلت العسكر الذين رفعوا شعارات الحرية والوحدة والاشتراكية وتكافؤ الفرص وحق الشعب بالكرامة، يتندر عليها كتاب أنظمة الاستبداد العربي بالقول بأن هذا ما جنته الثورات، وبالفعل من تابع مثلا القذافي يصل لنتيجة بائسة ومثله صدام وغيره من أمثلة دمرت، ما عمرت، وإن كان هناك بعض الاستثناءات وأظن لذر الرماد في العيون، ولا ننسى دور الاستبداد العربي، إما بإجهاض تلك الثورات أو جرها لمستنقع الفساد والإفساد، لكي يصبح الجميع "في الهوى سوى".المشهد العربي اليوم يكرر نفسه، وإن كان بطريقة أخرى تتناسب مع واقع الحال والتطورات التكنولوجية، فالاستبداد العربي العميق مضطر أن يتعامل ويرد على كل ما يحدث، أما إبان فترة الخمسينيات وستينيات القرن الماضي فتحدث مجازر ولا يعلم عنها العالم إلا بعد سنوات، مثل ما حصل في مذابح حلب وجسر الشغور أو حلبجة التي قصفت بالكيماوي، لذلك لا أتصور أن يستمر الحال على ما هو عليه، ستتغير الأمور وتتبدل أنظمة، فمن المستحيل أن تستمر إدارة جامدة لا تتطور بتطورات الأحداث والظروف وتستطيع أن تستمر على منهجية واحدة عقودا طويلة، وهذا ما أثبته التاريخ، وعليه فإن لم تتطور هذه الإدارات وفق المتطلبات التي يفرضها الواقع، لاشك بأنها ستصطدم به بعد فوات الأوان.المشهد العربي اليوم مستقبله أفضل من ماضيه، فهناك مؤشرات رائعة يجب ألا يحجبها الواقع المظلم، وبالرغم من قسوة الثورة المضادة، إلا أن تلك المؤشرات يجب ألا تُهمل، فمثلا اليمن، رغم توفر السلاح ورغم كل التضحيات والألم الذي قدمه الشعب اليمني، إلا أنه يرفض، رفضا قاطعا، استخدامه، وهذه بحد ذاتها ضربة موجعة للثورة المضادة، وهناك انتقال السلطة في العراق بشكل سلمي لأول مرة بتاريخه المليء بالدماء والمفخخات اليومية والدواعش وغيرها من صراعات عسكرية وسياسية، وهناك الشعب الليبي الذي يستخدم اليوم السلطة بشكل غير معهود سيتجاوز محنته رغم كل المآسي التي تحدث على أرضه، وبارقة الأمل الواضحة جدا في المنطقة العربية تونس التي استطاع ساستها، من الغنوشي حتى المرزوقي وبقية الساسة الذين لا يملك المرء إلا أن يقف لهم احتراما ويرفع العقال لهم لما أنجزوه من تطور بالغ نحو دولة القانون وتداول السلطة.هكذا يجب علينا أن نزيح غبار المعارك ونشاهد المشهد العربي برؤية مختلفة غير تلك الرؤية التي يحاول إعلام الثورة المضادة تصويره لتشويه الواقع.