10 نوفمبر 2025
تسجيلزيادات الأجور في الخليج وسعت الهوة بين القطاعين العام والخاص بزيادة الأجور للمواطنين القطريين وبنسبة كبيرة تراوحت ما بين %60 للمدنيين و120% للعسكريين تكون قد استكملت حلقات زيادة الأجور في كافة دول مجلس التعاون الخليجي، مما أدى إلى تحسين مستويات المعيشة والتقليل من تداعيات الضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع الأسعار. وتعتبر سياسات الأجور والرواتب إحدى أهم الأدوات الاقتصادية التي تترتب عليها انعكاسات مهمة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، مما يتطلب إيلاؤها أهمية كبيرة، فبالإضافة إلى مستويات المعيشة، فإن لهذه القضية انعكاسات على مستويات الطلب في الأسواق المحلية وعلى عمليتي الإنفاق والادخار والكتلة النقدية والوظائف وجذب الاستثمارات الأجنبية والقدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الخارجية. ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة، فإن سياسة الأجور لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار كافة هذه العوامل المؤثرة في سير النمو الاقتصادي لمختلف البلدان، خصوصا وأن هناك تجارب عالمية استخدمت فيها سياسات الأجور لتحفيز النمو وزيادة الصادرات وتطوير العديد من القطاعات الاقتصادية التي تتناسب وقدرات الدول. وحتى الآن، فإن الأجور في دول المجلس الستة أخذت طابعا تصاعديا في فترات زمنية قصيرة نسبيا مدعومة بتضاعف العائدات النفطية وتحقيق دول المجلس لمعدلات نمو مرتفعة خلال السنوات العشر الماضية. وفي الوقت الذي استفادت فيه أعداد كبيرة من السكان، وبالأخص المواطنين الخليجيين من هذه الزيادات، فإنه يمكن زيادة تأثيراتها الإيجابية على الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس من خلال ربط سياسات زيادة الأجور بالتوجهات التنموية لدول المجلس، مما ستكون له آثار إيجابية كبيرة ليس على مستويات المعيشة فحسب، وإنما على النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وزياد فعالية سوق العمل الخليجية، بما في ذلك تأهيل المواطنين للعمل في القطاعات المهنية والتي تكتسي المزيد من الأهمية للاقتصادات الحديثة. وإذا ما أخذنا إحدى إستراتيجيات دول المجلس بعيدة المدى والرامية إلى تشجيع المواطنين للعمل في القطاع الخاص، على اعتبار تشبع القطاع العام منذ سنوات من جهة وللفرص المتنامية التي يوفرها القطاع الخاص بفضل تنامي أعماله وزيادة دوره التنموي من جهة أخرى، فإن سياسات الأجور الحالية تحد من مثل هذا التوجه المهم والذي تسعى دول المجلس إلى تحقيقه من خلال تشجيع الموطنين للعمل في القطاع الخاص. لقد أسهمت الزيادات الكبيرة في الأجور في البلدان الخليجية الستة في توسيع الهوة بين الأجور في القطاعين العام والخاص وجعلت أنظار الخليجيين تتجه من جديد للرغبة في العمل في القطاع الحكومي، حيث أشارت صحيفة "الشرق" القطرية في تحقيقها الأسبوع الماضي إلى أن المواطنين القطريين العاملين في القطاع الخاص يحلمون بزيادة رواتبهم، كما هي حال زملائهم العاملين في القطاع الحكومي، في الوقت الذي لا توجد أنظمة تلزم القطاع الخاص بزيادات مماثلة للعاملين لديه. هذه إحدى الإشكاليات التي لا بد من معالجتها للمواءمة ما بين سياسات الأجور والتوجهات التنموية لدول المجلس، بحيث تخدم هذه السياسات التطلعات الإستراتيجية والتي تشكل أهمية تنموية كبيرة على المدى البعيد. ولا ندعي هنا بأن الحلول سهلة ومتاحة بسرعة البرق، إلا أن هذه الإشكالية يمكن حلها، خصوصا وأن القطاع الخاص الخليجي بات مسيطرا على مفاتيح اقتصادية حيوية، كالقطاع المالي والمصرفي والتجارة والخدمات، كما أن أعداد الشركات الخليجية المساهمة في ازدياد سنة بعد أخرى، وهو تطور إيجابي ينم عن المرونة التي تتميز بها الاقتصادات الخليجية. وضمن الحلول التي يمكن النظر إليها، هناك الحوافز المؤقتة التي تقدمها الدولة للمواطنين العاملين في القطاع الخاص وتحديدا في بداية الالتحاق بالعمل في هذا القطاع، كما يمكن إعفاء المواطنين العاملين في القطاع الخاص من بعض أنواع الرسوم والضرائب لتقريب الفروقات الناجمة عن زيادة الأجور في القطاع الحكومي، الذي سيشهد دخول مليون خريج خليجي من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس العليا في السنوات الخمس القادمة. وتؤكد على هذه الحقيقة العديد من الدراسات، بما فيها تلك الصادرة عن وزارات العمل في دول المجلس وبعض المنظمات الدولية، والتي تشير إلى زيادة كبيرة في طلبات العمل من المواطنين الخليجيين والذين لا يمكن استيعابهم جميعا في أجهزة الدولة، حيث تعول دول المجلس على القطاع الخاص للمساهمة في إيجاد فرص عمل للمواطنين. ويبدو أن القطاع الخاص الخليجي قادر على توفير الكثير من فرص العمل، إلا أن إصلاح سوق العمل مسألة ضرورية لإنجاح مثل هذا التوجه، وبالأخص إعادة التوازن لسياسات الأجور في الفترة القادمة.