04 نوفمبر 2025

تسجيل

أيها الدائن لا تلومن إلا نفسك!

18 مارس 2024

يعد التقادم المسقط إحدى الوسائل القانونية التي تنهي الالتزام، فبمجرد مرور مدة معينة حددها القانون، يسقط الحق في سماع الدعوى، وعندئذ يصبح حق الدائن عاريًا من أية دعوى تحميه، ويتحول من التزام عادي إلى التزام طبيعي يقوم على المسؤولية دون المديونية، فلا يجبر المدين على الوفاء به لصيرورته خاليًا من وصف الإلزام. وقد عالج المشرع القطري هذا الموضوع في الباب الخامس من القانون رقم (22) لسنة 2004 بإصدار القانون المدني، والمتعلق بأسباب انقضاء الالتزام. ويعرف التقادم بأنه مرور فترة زمنية محددة وفق القانون لا يطالب بها الدائن حقوقه، وتؤدي إلى منع سماع الدعوى وعدم قبولها ولا ينتج عنها أي أثر. والأصل العام أن مدة تقادم الدعوى هي خمس عشرة سنة من يوم استحقاق الالتزام – وهو ما يعرف بالتقادم الطويل –، وذلك وفقًا لنص المادة (403) من القانون المدني القطري؛ حيث تنص على أنه «تتقادم دعوى المطالبة بحق من الحقوق الشخصية بمضي خمس عشرة سنة، وذلك فيما عدا الأحوال التي يعين فيها القانون مدة أخرى، والأحوال المنصوص عليها في المواد التالية». وبناء على ما سبق نجد أن جميع الالتزامات كقاعدة عامة تتقادم دعواها بمرور خمس عشرة سنة ما لم يرد نص خاص يقضي بمدة أخرى. وهنا يثور التساؤل: هل تخضع المسائل التجارية لمدة التقادم نفسها التي تخضع لها المسائل المدنية، فهل تتقادم الدعوى التي تحمي المعاملات التجارية بمرور خمس عشرة سنة؟ الإجابة في الحقيقة تكون بالنفي، فالمسائل التجارية تخضع لتقادم خاص يسري في شأنها، وتقل مدته عن التقادم العام. والقاعدة العامة أن مدة التقادم بالنسبة إلى الديون والالتزامات التجارية هي عشر سنوات، وهذا ما نصت عليه المادة (87) من القانون التجاري بقولها: «تتقادم التزامات التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية قِبَل بعضهم البعض بمضي عشر سنوات من تاريخ حلول ميعاد الوفاء بهذه الالتزامات، إلا إذا نص القانون على مدة أقل»، فالمبدأ العام أن التزامات التجار تجاه بعضهم البعض تتقادم بمضي عشر سنوات من الوقت الذي يصبح فيه الالتزام مستحق الأداء، ما لم ينص القانون على مدة أقل. وهذه المدة لا تطبق إلا إذا توافرت الشروط التالية: أولًا: تكون العلاقة بين تاجرين أو أكثر. فإذا كان أحدهم غير تاجر، فإن المسألة تخضع للتقادم وفق القواعد العامة، وهو السائد في القانون المدني (خمس عشرة سنة). ثانيًا: أن يكون الالتزام متعلقًا بأعمالهم التجارية. فإذا كان الالتزام متعلقًا بأعمال مدنية، فأيضًا تخضع المسألة للتقادم العام وهو خمس عشرة سنة. ومن الاستثناءات التي تقل فيها مدة التقادم عن عشر سنوات، تقادم الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية، وهو ما يعرف بالتقادم الصرفي؛ إذ تتراوح فيه المدد من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى تقادم الدعوى التي تنشأ عن المسائل المتعلقة بعقود نقل الأشياء، أو عقود نقل الأشخاص، أو الوكالة بالعمولة للنقل، بمرور سنة، كذلك تتقادم – كقاعدة عامة – الدعاوى المتعلقة بضمان العيوب في البيوع التجارية بمرور سنة من يوم التسليم الفعلي للمبيع، وأيضًا تتقادم الدعاوى المتعلقة بالحساب الجاري بمضي خمس سنوات، إضافة إلى ما سبق تتقادم دعاوى دائني الشركات على الشركاء بمرور ثلاث سنوات على انقضاء الشركة، أو خروج أحد الشركاء، وذلك بخصوص الدعاوى الموجهة إلى الشريك المتخارج، كما توجد أمثلة عدة على مدد تقادم تقل عن عشر سنوات في القانون البحري، نرصد منها على سبيل المثال: تقادم الدعاوى الناشئة عن عقود العمل البحري وذلك بمرور سنة من تاريخ انتهاء العقد، وكقاعدة عامة تتقادم جميع الحقوق المتعلقة بعقود نقل البضائع بحراً بمرور سنة من تسليم البضائع، أو من التاريخ الذي يستوجب أن تسلم فيه. والجدير بالذكر أن القانون المدني قد أورد بين نصوصه بعض المسائل التجارية التي تقل مدد تقادمها عن عشر سنوات، حيث تنص المادة (407) من القانون المدني على أنه «تتقادم الدعوى بمضي سنة واحدة إذا كانت المطالبة بحق من الحقوق التالية: أ- حقوق التجار والصناع عن أشياء ورّدوها لأشخاص لا يتجرون فيها. وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم». وبإمعان النظر نجد أن اختلاف التقادم في المسائل المدنية والمسائل التجارية هو اختلاف جزئي، بمعنى أن التقادم التجاري تسري عليه القواعد العامة من كيفية حساب مدته، والعوائق التي تصيبه، مثل الوقف والانقطاع، فالفارق فقط بينهما في المدة. والغاية من تقليل مدد تقادم المسائل التجارية واضحة وجلية؛ حيث غالبًا ما يجري التجار وراء حقوقهم ويطالبون بها؛ لأنهم بحاجة دائمة إلى المال، كما أن المشرع حاول الموازنة بين قساوة معاملة الملتزمين بالديون التجارية بما قرره من قواعد، كحرية إثبات الأعمال التجارية، وافتراض التضامن في الديون التجارية، وتقييد منح المهل القضائية، وشمول الأحكام التجارية بالنفاذ المعجل، كذلك راعى المشرع مصلحة المدينين من خلال جعل أحكام التقادم قصيرة في المسائل التجارية؛ بحيث لا يظل المدين تحت رحمة الدائن لفترة طويلة.