15 نوفمبر 2025
تسجيلتنظم القوانين مواضيع متباينة، وكل منها يهتم بفئة معينة من الأفراد في المجتمع أو بسلوك بذاته. إذ ينصبّ تطبيق القانون التجاري على طبقة التجار والأعمال التجارية، وكل ما في هذا النطاق يعد من موضوعات القانون التجاري، بينما قانون العمل مثلاً يرتب الحقوق الناشئة للعامل ورب العمل، والواجبات التي يجب أن يقوموا بها، والالتزامات التي تقع على عاتق كل منهم، ويأتي القانون المدني - الذي يعد الشريعة العامة للقوانين أجمعها ودعامة القوانين الخاصة - فينظم سلوك الأفراد في المجتمع بشكل عام ومجرد، أما قانون العقوبات فيجمع بين دفتيه جميع الأفعال المجرّمة، وعقوبة تلك الأفعال، فيركز هذا القانون على الفرد المجرم بشكل عام. ونضرب مثلًا أدق حتى نبين أن القانون يهتم بفئات معينة من المجتمع، نجد أن قانون مدقق الحسابات هو قانونٌ ينظم مهنة علم المحاسبة والتدقيق، فيهتم هذا القانون بالمحاسب والمدقق المهني، ويبين ما له وما عليه. الخلاصة؛ تتعدد القوانين فتتباين اهتماماتها، ومن أجل ذلك يختلف مصدر كل قانون عن الآخر، فمصادر القانون المدني تختلف عن مصادر القانون التجاري، والأخير يختلف عن مصادر قانون العمل وهكذا. ومن المسلم به أنه توجد للقانون التجاري مصادر رسمية ومصادر استرشادية؛ أما الرسمية فتتمثل في القانون التجاري والقوانين المكملة له، وقواعد العرف التجاري ونصوص القانون المدني، بينما الاسترشادية أو كما يطلق عليه البعض بالمصادر التفسيرية، فهي الفقه والسوابق القضائية. وهذه تكون مثل النبراس الذي ينير طريق القاضي، من أجل حل أي نزاع أمامه. وعليه إذًا نقسم تلك المصادر إلى مصادر رسمية ومصادر استرشادية. المصادر الرسمية: نصّ المشرع في المادة (2) من قانون التجارة على أن «تسري على المسائل التجارية الأحكام الواردة في هذا القانون أو في غيره من القوانين المتعلقة بالمسائل التجارية، فإن لم يوجد نص يطبق العرف التجاري، ويقدم العرف الخاص أو العرف المحلي على العرف العام، فإن لم يوجد عرف تجاري، تطبق أحكام القانون المدني». يتبين لنا من هذا النص أن مصادر القانون التجاري الرسمية هي القانون التجاري، أو غيره من القوانين التي تنظم المسائل التجارية، ثم العرف التجاري، ويليه القانون المدني. يحتل القانون التجاري المرتبة الأولى، كمرجع يعود إليه القاضي في حالة عرض نزاع تجاري عليه، ولا يحق للقاضي الرجوع إلى مصدر آخر، في حالة وجود حكم النزاع التجاري المثار أمام القاضي في القانون ذاته، إذًا فهو الأصل الذي نستقي منه أحكام النشاط والمعاملة التجارية. وعند غياب النص في القانون التجاري، حينئذٍ يلجأ القاضي إلى القوانين المنظمة للمسائل التجارية، وقد سبق أن ذكرنا ماهية تلك القوانين. وعند تعارض نص من القانون التجاري مع هذه القوانين، تكون الأولوية للقوانين المنظمة للمسائل التجارية، وذلك تطبيقًا لقاعدة الخاص يقيد العام. ويثار التساؤل هنا، أين اتفاق الأطراف من هذه المصادر، وهل يلعب الاتفاق دورًا في مصادر القانون التجاري؟ بداية يلاحظ أن نصوص القانون التجاري ليست كلها نصوصًا آمرة، بل يوجد بها نصوص مكملة مما يجعل اتفاق الأطراف واردًا في هذه الحالة، ومن هذه النصوص نص المادة (74) التي تنص على أن «الملتزمين معًا بدين تجاري، يسألون على وجه التضامن، ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك». وقس عليه العديد من النصوص. وعلى الرغم من أن المشرع لم ينص على اتفاق الأطراف في المادة (2)، ولم يعده مصدرًا رسميًا، إلا أن ذلك لا يعني أنه غير ملزم، فالقاضي ملتزم باتفاق الأطراف ما دام لم يخل الاتفاق بقواعد النظام العام أو القواعد الآمرة، وذلك استنادًا إلى مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.