10 نوفمبر 2025
تسجيلتشير كافة الدلائل إلى أن قضية توفير فرص العمل في البلدان العربية، بما فيها منطقة الخليج العربي ستحتل رأس الأولويات في سنوات العقد القادم، حيث تحتاج بلدان المنطقة وفق دراسة للبنك الدولي توفير 100 مليون فرصة حتى عام 2025. ويشكل ذلك تحديا حقيقيا مع زيادة أعداد العاطلين وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية واجتماعية يمكن تفاديها من خلال إعادة النظر في السياسات الاقتصادية السابقة، بما في ذلك سياسات التوظيف والاستثمار والهيكلة الاقتصادية وكيفية التعامل مع الاستثمارات الأجنبية. ومع أن هذه المسائل مترابطة وتقف على نفس الدرجة من الأهمية، إلا أنه لا يمكن تناولها جميعا في مثل هذه المقالة والتي ستقتصر على الجانب المتعلق بخلق فرص العمل والتوظيف، تلك المسائل التي هي بحاجة لإعادة نظر لتتناسب والتغيرات التي طالت البنية الاقتصادية في البلدان الخليجية. لقد اعتمدت سياسات التوظيف في دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الأربعة الماضية على أجهزة الدولة بصورة أساسية، وبالأخص ما يتعلق بتوظيف المواطنين الخليجيين، حيث قامت الدولة بدور فاعل في توفير فرص العمل، تلك الأجهزة التي كانت في حاجة ماسة في بداية تكوينها الحديث لمختلف التخصصات العلمية والمهنية، حيث لم تشكل مسألة استيعاب آلاف الباحثين عن عمل قضية صعبة، بل على العكس من ذلك اضطرت تلك الأجهزة لاستقطاب آلاف أخرين من العاملين الأجانب، وذلك بسبب النمو السريع والذي تطلب بدوره تمددا مماثلا في الإدارات الحكومية. ومع استكمال معظم مشاريع البنية التحتية وازدياد أعداد المواطنين وبناء الهيكل الأساس للجهاز الحكومي، وذلك إضافة إلى الاعتماد بصورة متزايدة على التقنيات الحديثة في إدارة الدولة، بما في ذلك اتساع الخدمات المقدمة عن طريق شبكة الحكومة الإلكترونية والتي حققت فيها دول مجلس التعاون تقدما مشهودا سبقت به الكثير من بلدان المنطقة، فإن القدرة الاستيعابية للتوظيف في الأجهزة الحكومية تكون قد تقلصت كثيرا في السنوات القليلة الماضية. يتزامن ذلك مع ازدياد أعداد المواطنين الباحثين عن عمل من أصحاب الكفاءات وخريجي الجامعات، مما أدى إلى وجود بطالة في بعض بلدان المجلس وبطالة مقنعة في بلدان أخرى ناجمة عن تضخم أجهزة الدولة بالأيدي العاملة الفائضة والتي يمكن أن تشكل عبئا على الإنفاق العام في المستقبل أو على أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية في حالة خروج أعداد كبيرة ضمن ما يسمى بالتقاعد المبكر، تلك الظاهرة التي أصبحت ملازمة للكثير من العاملين الخليجيين في الآونة الأخيرة والتي تفوت الاستفادة من خدمات وخبرات مؤهلات محلية على درجة كبيرة من الكفاءة. وفي الوقت الذي ترتفع فيه سنوات التقاعد في بلدان الاتحاد الأوروبي نتيجة لتحسن مستويات الخدمات الصحية وارتفاع متوسط الحياة، فإن بلدان الخليج التي ارتفع فيها متوسط الحياة أيضاً ليصل إلى مستواه في البلدان الأوروبية، وذلك بفضل تحسن الرعاية الصحية، فإن ذلك لم يمنع من استمرار ظاهرة التقاعد المبكر. من هنا يمكن القول إن هناك تفاوتا كبيرا بين طبيعة التنمية القادمة التي ستعطي دورا أكبر للقطاع الخاص وبين سياسات التوظيف المعتمدة على الأجهزة الرسمية والتي لا يمكنها استيعاب الأعداد القادمة من الباحثين عن عمل، حيث يشكل ذلك أحد أهم تحديات التنمية في البلدان الخليجية في السنوات القليلة القادمة. لذلك، فإن الآمال معلقة على القطاع الخاص في دول المجلس لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل، خصوصا وأن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي غير النفطي تتزايد سنة بعد أخرى، إلا أنه للأسف هناك تجاوب ضعيف للغاية من المؤسسات الخاصة لحل هذه المعضلة التنموية والاجتماعية المعقدة، علما بأن تداعيات هذه المشكلة يمكن أن تضر بمصالح القطاع الخاص إذا ما استمرت حالة الاعتماد على القطاع الحكومي وحده في توفير فرص العمل، وهي مسألة وصلت إلى حدها الأقصى ولا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. وبما أنه لا يمكن أيضاً فرض مسألة التوظيف من دون قناعة القطاع الخاص وتعاونه، فإن سن القوانين والأنظمة الخليجية الداعمة لهذا التوجه وبالتعاون مع غرف التجارة والصناعة يمكن أن تساهم في إيجاد حلول لهذه القضية المهمة، خصوصا وأن هناك تجارب في كافة دول المجلس، إلا أنها تجارب إما أنها غير متكاملة أو أنها اعتمدت في نهاية المطاف على التوظيف أساسا في القطاع العام، مما يتطلب إدماج هذه التجارب والخروج برؤية موحدة وبالتنسيق مع القطاع الخاص الخليجي، مما قد يؤدي إلى إيجاد حلول عملية وتحقيق بعض التقدم في السنوات القادمة.