07 نوفمبر 2025
تسجيلمماطلة أوروبية للتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة حتى وقت قريب كانت بلدان الاتحاد الأوروبي تحتل المكانة الأولى، كشريك تجاري أول لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن مماطلة الدول الأوروبية في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول المجلس على مدى العشرين عاما الماضية أسهم في تراجع حاد لحصة بلدان الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية لدول المجلس. لقد سبق وأن نبهنا في هذا المكان إلى أن هذه المماطلة الأوروبية سوف تنعكس سلبا على العلاقات التجارية لهذه البلدان مع دول مجلس التعاون، خصوصا وأن هناك بدائل تمخضت عن التغيرات الكبيرة في العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا أن بلدان الاتحاد الأوروبي تمسكت وما زالت بقشور الأمور وبتفاصيلها الصغيرة على حساب مصالحها الحيوية في منطقة تشهد واحدة من أعلى معدلات النمو في العالم. أوروبا تحاول من خلال التأجيلات المتكررة لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول المجلس حماية منتجاتها البتروكيماوية ومنتجات حلفائها في أوروبا الشرقية من الألومنيوم والبتروكيماويات، حيث كلفتها هذه الحماية مكانتها التجارية في بلدان المجلس التي تشكل أكبر مصدر للنفط في العالم. والقارة العجوز لا تقول ذلك صراحة، بل إنها تتحجج بقضايا سياسية، كالحريات العامة وحقوق الإنسان، علما بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود نفس النهج الحقوقي على المستوى العالمي (ما عدا حقوق الشعب الفلسطيني) سبق وأن وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع بعض دول المجلس، مما يعني أن هذه الحجج لا أساس لها من الصحة. ويبدو أن الصين والهند لم تستفيدا من تجربة الاتحاد الأوروبي في علاقاتهما مع دول المجلس، فهذان البلدان الآسيويان الناشئان قد أزاحتا ومنذ خمس سنوات البلدان الأوروبية عن مكانتها، كشريك تجاري أول لدول مجلس التعاون، حيث تضاعف التبادل التجاري بين كل من الصين والهند من جهة ودول مجلس التعاون من جهة أخرى. والحديث هنا لا يدور حول الأرقام المطلقة للتجارة والتي ارتفعت بين دول المجلس وكافة بلدان العالم، وإنما حول الحصص النسبية لهذه البلدان، وهو ما يعطي مؤشرا على الأهمية النسبية لكل بلد، فحصتا الصين والهند في التجارة الخارجية غير النفطية لدول المجلس لم تتجاوز 15% قبل ثلاثين عاما أي في عام 1980 حيث ارتفعت هذه النسبة إلى ما يقارب 40% في عام 2010 في الوقت الذي تراجعت فيه حصة بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المشار إليها، حيث تشكل العراقيل الأوروبية أمام الصادرات الخليجية أحد العوامل المهمة إلى جانب عوامل أخرى تتمثل في صعود الهند والصين، كقوى اقتصادية كبرى. والى جانب التبادل التجاري اكتسبت العلاقات الهندية الصينية الخليجية مضامين جديدة من خلال الشراكة الاقتصادية الأشمل، فأقيمت في كل من الصين والهند العديد من المشاريع المشتركة مع الجانب الخليجي، وبالأخص في مجال الطاقة، فدولة الكويت على سبيل المثال وقعت مؤخرا اتفاقية بقيمة 9 مليارات دولار لإقامة مصفاة ومصنع للبتروكيماويات في الصين اعتبارا من العام القادم 2012، حيث سبق لدول المجلس وأن وقعت اتفاقيات مماثلة عديدة مع البلدين الآسيويين. ورغم هذه التطورات الإيجابية الكبيرة بين الطرفين، فإن كل من الصين والهند لم تستفد من التجربة السابقة لعلاقة الدول الخليجية مع بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث عمدت كل منهما في الآونة الأخيرة إلى وضع قيود جديدة على وارداتهما من المنتجات الخليجية من البتروكياويات في سابقة تشير إلى إمكانية تراجع حصتهما المستقبلية في التجارة الخارجية لدول المجلس. ويتعلق هذا الاحتمال بإمكانية قيام دول مجلس التعاون بإجراءات مماثلة فيما يتعلق بوارداتها من الصين والهند، تلك الواردات التي تتمتع حاليا بقدرات تنافسية كبيرة في الأسواق الخليجية، علما بأن النمو المستقبلي للهند والصين سيعتمد كثيرا على وارداتهما من النفط الخليجي ليشبه وضعهما في ذلك وإلى حد بعيد وضع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية والتي اعتمدت بصورة شبه تامة في معجزتها الاقتصادية على وارداتها من النفط. لا نتمنى أن تصل الأمور إلى هذا الحد من التأزم التجاري بين هذه الأطراف، فالمصالح المشتركة بين دول المجلس وكل من الهند والصين كثيرة ومتشعبة وتخدم الطرفين وتتيح تعاونهما في المنظمات الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمات الأمم المتحدة، إلا أن ذلك بحاجة لإيجاد تفاهمات مشتركة تزيل العراقيل بين التبادل التجاري بين الطرفين. وفي هذا الصدد يكمن أحد الحلول في سرعة توقيع اتفاقيات للتجارية الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وكل من الصين والهند من جهة أخرى، حيث أعربت دول المجلس في أكثر من مناسبة عن ترحيبها بتوقيع مثل هذه الاتفاقيات مع هذه وغيرها من البلدان الناشئة.