07 نوفمبر 2025
تسجيليغلب طابع الهدوء والاستقرار والثبات على المعاملات المدنية، ويعود ذلك إلى الجو السائد هناك، فالأشخاص لا يبرمون العقود إلا بعد التمهل، والتروي الطويل والتفكير الهادئ، وهذا كله لغاية الاستقرار وتحقيق الفائدة الأكبر، ولا يقدم الشخص على العمل إلا للاستهلاك، أو الاحتفاظ بالشيء، أو توفير الأمن، أو تسهيل الحياة، فمثلًا، إذا عزم فرد على شراء قطعة أرض أو شقة أو سيارة، فإنه يستشير أهل الخبرة والأقارب؛ لمعرفة الفائدة من جراء ما سيشتريه ويعلم بالقيمة الحقيقة للشيء الذي وقعت عيناه عليه، هذا لا يكون في فترة وجيزة، بل خلال مدة كافية غير متسرعة يغلب عليه الأمد ويكون بعد الاطلاع الواسع، وذلك من أجل إبرام الاتفاق النهائي، وهذا الوقت الطويل من التروي والتفكير ليس عبثًا، لأن الشخص على الأغلب، سيقدم ما لديه وتعب حياته الطويلة، من أجل شراء هذا العقار أو السيارة، فمن المنطق أن توجد قواعد ملائمة لهذا النوع من المعاملات. ومن المعروف أن السرعة هي قلب ولب التجارة؛ حيث تتميز المعاملات التجارية بطابع السرعة والمرونة، نظرًا لطبيعتها وذلك يعود لعدة أسباب؛ أولًا: الغاية من التجارة هو الربح، فكلما زاد تحرك البضائع، تضاعف رأس المال، ويكون ذلك بالإسراع في عملية المرابحة، وإذا زادت عملية البيع والشراء زاد تثمير الأموال، وعلى خلاف ذلك، إذا تمت عملية البيع والشراء مرة واحدة أو مرات قليلة، وبشكل متراخ وبطيء، يكون رأس المال أقل بكثير مما يكون عليه في حالة السرعة، وهذا لا يتلاءم مع طبيعة المعاملات التجارية التي تبتغي الربح، ثانيًا: غالبًا ما تكون البضائع قابلة للهلاك والتلف، ولذلك، لا بد من الإسراع والاستعجال في بيعها؛ حتى لا يخسر التاجر قيمتها أو يتعرض لتقلب سعرها، ثالثًا: السرعة تنمي التجارة وتزيد الفرص وتفتح الأسواق، ويتوسع نطاق العمل، وهذا كله يحقق الربح، ولذلك لابد من إيجاد ثمة قواعد تتلاءم مع طبيعة النشاط التجاري، وهذا ما فعله المشرع القطري. ومن القواعد التي تساعد على تسريع إجراءات العمل التجاري وتسهيلها، حرية الإثبات في المعاملات التجارية؛ حيث يكون الإثبات في المعاملات المدنية بالكتابة، وذلك إذا زادت قيمة التصرف عن 5000 ريال، ويؤكد على قولنا المادة (260) من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ حيث نصت على أنه «في غير المواد التجارية، إذا زادت قيمة التصرف على خمسة آلاف ريال، أو كان غير محدد القيمة، لم يجز إثبات وجوده أو انقضائه إلا بالكتابة، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك. ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف». وفي المقابل، تتميز المعاملات التجارية بمبدأ الإثبات الحر، فلا تتقيد بقيد. حيث يسمح القانون بإثبات التصرفات التجارية بشهادة الشهود، والقرائن، والفواتير، والمراسلات، والدفاتر التجارية، ولو علت قيمة التصرف عن 5000 ريال أو كانت غير محددة المقدار، وقد أيدت المادة (86) من القانون التجاري ما نطرحه، حيث نصت على أنه «يجوز الإثبات في المواد التجارية أيا كانت قيمتها بجميع طرق الإثبات، ما لم ينص القانون على غير ذلك». وهذه الخاصية المميزة تخول التاجر إبرام تصرفاته شفاهةً أو وتمكنه من استعمال البريد أو الجوال، وبطبيعة الحال فإن حرية الإثبات في التصرفات التجارية تمكن التاجر من القيام بنشاطه التجاري على أسرع وجهه ممكنة، وذلك على خلاف المعاملات المدنية التي تتقيد بالشكليات. ولا يفوتنا أن نضرب مثلًا من القانون كما أسلفنا مع سابقه من خصائص، ومن ذلك تداول الأوراق التجارية عن طريق التظهير، وما جاء في موضع الرهن التجاري، حيث نصت المادة (236) على أنه «يثبت الرهن بالنسبة إلى المتعاقدين وفي مواجهة الغير، بجميع طرق الإثبات». أيضًا عقود النقل حيث يمكن إثباتها بكافة الطرق، وهذا ما جاءت به المادة (167) حيث نصت على أن «ينعقد عقد النقل بمجرد الإيجاب والقبول. ويجوز إثبات العقد بجميع طرق الإثبات...». ويُحمَد للمشرع القطري لاتخاذه هذه الخطوة، حيث واكب التطور التكنولوجي، وأصدر قانون المعاملات التجارية الإلكترونية رقم 16 لسنة 2010. وبعدما أشرنا إلى أن طبيعة القانون التجاري تفرض التحرر من القيود الشكلية حتى تتسم بالسرعة، مما يساعد ذلك النشاط التجاري، ولكن هذا ليس دائمًا ويصبح مثل القاعدة العامة، فكل المعاملات التجارية تتسم بالسرعة!، حيث فرض المشرع قيوداً شكلية يجب أن يلتزم بها المخاطب، نعطي أمثلة على تصرفات اشترط القانون إتباع إجراء شكلي، أو يجب بالمعنى الأدق أن تأخذ قالبا معينا، وهي كالأوراق التجارية، عقود بيع المحال التجارية، عقود رهن المحال التجارية، عمليات البنوك، وعقود الشركات، إلا أن غاية الشكليات التجارية تختلف عن غاية الشكليات المدنية، فالأول يهدف إلى تنظيم النشاط التجاري تلافيًا للنزاعات، بل في هذا الموضوع يؤدي اتباع الشكليات إلى السرعة المطلوبة.