04 نوفمبر 2025

تسجيل

مقتضيات التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية 2

08 فبراير 2024

الأصل أن يكون الالتزام بسيطًا، وهو عبارة عن علاقة بين دائن واحد ومدين واحد، بينما الاستثناء يكون حين تتعدد أطراف الالتزام، سواء أكان تعددًا إيجابيًا (تعدد الدائنين)، أم سلبيًا (تعدد المدينين). وعند التعدد يظل أداء المدينين مقسمًا بينهم، فكلٌ يلتزم بمقدار حصته من الدين، ما لم يقضِ القانون أو الاتفاق بوجوب التضامن، والتضامن يعد من أهم وسائل الضمان وأبرز صور التأمينات الشخصية. وكما يعبر العلامة السنهوري عن مدى قوة هذه المسألة في أنه يفوق الكفالة في الضمان؛ إذ إنه في الكفالة لا يحق للدائن الرجوع على الكفيل إلا بعد الرجوع على المدين الأصلي – الدفع بالرجوع على المدين ثم تجريده من أمواله – بينما في التضامن للدائن الحق في الرجوع على أي المدينين بكل الدين. وهنا نجد أن من أبرز صور التفرق بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية، هى فكرة التضامن، وذلك لأن «القاعد المدنية والقاعدة التجارية على طرفي نقيض». والتضامن هو تعدد المدينين بالتزام واحد مع مسؤولية كل واحد منهم عن الدين كله في مواجهة الدائن بناء على اتفاق بين الأطراف أو نص في القانون، وهو ما يعرف بالتضامن السلبي. والأصل أن التضامن غير مفترض في المعاملات المدنية، وينشأ إما بالاتفاق وإما بنص القانون؛ أي عند تعدد المدينين في المعاملات المدنية، فيكون كل منهم مسؤولًا عن حصته من الدين، فيطالب الدائن كل مدين بقدر حصته في الدَّين، كذلك يتحمل الدائن إعسار المدين، ولا يحق له الرجوع على المدينين الآخرين بحجة الإعسار. وإذا قضت محكمة الموضوع بوجود التضامن دون وجود نص في القانون أو اتفاق بين الأطراف، فعندئذ يخالف حكمها الصواب ويشوبه العيب ويقبل الطعن. وهنا نجد أن المشرع القطري قد قنّن العرف المستقر قديمًا بين التجار والذي يقضي بوجود مصلحة مشتركة بين المدينين عند افتراض التضامن في الدين التجاري، وذلك في المادة (74) من القانون التجاري القطري؛ ونصها: «الملتزمون معًا بدين تجاري، يسألون على وجه التضامن، ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك». ويتبين من هذا النص أن التضامن بين المدينين في المعاملات التجارية مفترض، ما لم يثبت العكس بنص القانون أو باتفاق الأطراف. ونتيجة لذلك، يمكن للدائن بدين تجاري مطالبة جميع المدينين أو أحدهم بكل الدين، ولا تؤدي مطالبة أحدهم إلى براءة ذمة الباقين، كما لا يحق للمدين أن يدفع بالتقسيم؛ أي أن يدفع كل مدين نصيبه من الدين، أو بالتجريد؛ أي بمطالبة أحد المدينين أولًا. وقد يتفق الأطراف صراحة على عدم التضامن، وذلك بصريح العبارة «المدينون غير متضامنين»، أو «كل مدين مسؤول عن دينه»، أو أي صياغة تدل على عدم التضامن، وقد يتفق الأطراف ضمنًا على عدم التضامن إلا أنه يجب أن تكون هناك قرائن ودلائل على عدم التضامن بشكل واضح، ويخضع الأمر في هذه الحالة لسلطة القاضي؛ إذ يستخلص ذلك من وقائع النزاع. وتكمن الغاية من جراء افتراض التضامن في المعاملات التجارية في دعم الائتمان، فالتضامن ما هو إلا انضمام ذمة إلى جانب ذمة، وبالتالي يكون للدائن أن ينفذ على الذمة المالية لأحد المدينين عند إعسار الآخر أو إفلاسه، فتسهل عملية استيفاء الدين، كذلك لا ينحصر دعم الائتمان على الدائنين، بل يشمل المدينين كذلك؛ إذ يعين ويسهل لهم التضامن الحصول على الائتمان الذي يعد القلب النابض للمعاملات التجارية. ومن جهة أخرى، من المعلوم غلبة طابع السرعة على المعاملات التجارية، وبذلك لا يتوافر الوقت الكافي للدائن بأن يبحث عن ملاءة كل مدين ويساره، أيضًا حين يتم الوفاء من قبل أحد المدينين بالدين كله إلى الدائن، فإن ذلك يؤدي إلى تسوية المعاملات بسرعة ويفضي إلى اختصار العديد من الإجراءات؛ وذلك بفضل الميزات التي يقدمها افتراض التضامن. وهنا يثور التساؤل، أين التضامن الإيجابي – تضامن الدائنين – هل نص عليه المشرع في القانون التجاري، وإذا لم ينص عليه هل يعني ذلك أنه غير مفترض إلا بنص القانون واتفاق الأطراف، فيأخذ حكم المادة (302) من القانون المدني، أم أنه مفترض ما لم يثبت العكس بنص القانون أو اتفاق الأطراف، فيأخذ حكم المادة (74) من القانون التجاري؟ والواقع أن المشرع في القانون التجاري قد سكت ولم ينص على تضامن الدائنين، غير أن ذلك لا يعني أنه غير مفترض، بل بخلاف ذلك، فتضامن الدائنين مفترض ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاقي مخالف لذلك، وذلك استنادًا إلى العرف السائد؛ لأن الأخير يعد مصدرًا ثانيًا في حالة خلو التشريعات التجارية.