16 نوفمبر 2025

تسجيل

مساك الله بالخير... يبا

05 يوليو 2020

تنمو المجتمعات على كاهل أبنائها وسواعد شبابها، وفي المستقبل القريب يكون هؤلاء الشباب قد تقدم بهم العمر ويصبحون " شياب ".. نعم شياب، الذين أسسوا الوطن وصبروا على ضنك العيش في ظل ظروف عاشوها، وهكذا هي عجلة الحياة. خبرات الرعيل الأول تصلح لزمان مضى، ولكن علينا أن نستقي منها العبر لندمجها في عصرنا الحالي سريع التغير. لا أحد منا يريد أن يعود للعيش في الماضي ـ حتى كبار السن أنفسهم لا يريدون ـ مهما كانت درجة جمال ذلك الماضي وهدوئه وبساطته، ولكن الفن كل الفن أن ندمج أصالة الماضي بالمدنية الحديثة والحياة الجديدة. أتعرفون أين الخلل ؟ إنه في فهم الجيل الحالي لحاضره، فلا يستطيع أن يدمج أصول الماضي مع حياة الـ G5. وهذا هو الفشل المبطن بالنجاح. يعجبني منزل أحد الأصدقاء زرته قبل أحداث كورونا، فإذا به من الحداثة ما يعجز القلم عن وصفه، وإذا به من الأصالة ما يدعوك لشم رائحة العبق القديم فتسحر أكثر من سحر المغاربة، وتتمنى أن تقضي يوماً كاملاً هناك. يكلمني أحدهم عن ضوابط ظهور مذيعات القنوات التلفزيونية الرسمية فى دولة قطر بضرورة لبس العباءة والشيلة دون غيرها من اللباس الفخم أو الملون أو المبهر، فأجد نفسي أرفع العقال اعتزازاً بمثل هذا القرار. ابتسمت طويلاً عندما رأيت فاصلاً بين فقرات التلفزيون يقوم على تقنية الجرافيك يعرض يد سيدة كبيرة في السن وهي تغرف الأكلات الشعبية. يااااا سلام ما هذا المزج العجيب بين الأصالة والحداثة. الكبير لا تعصى عليه مسايرة أحداث الزمن الحديث، بل يرغب فى أن يتدرب عليها ويستمتع حين يمسك الجوال الحديث وحين يتعامل مع آيباد واللابتوب والكمبيوتر. هو يحتاج الفرصة والدعم، يحتاج من يمسك بيده ويقول: مساك الله بالخير يبا.. ترى مكانك بيننا ضروري. الرجل الوقور لا يلزم أحدا بقراراته، بل يسعد عندما يُستشار. وحلوة اللبن لا تزعل عندما لا تسير الأمور بمثل ما تود هي، لكنها تطير فرحا عندما تستأذن وتشعر بأن الجميع بحاجتها، نعم هكذا... مجرد جعلهم يتأكدون بأهميتهم في حياتنا. أشارت دراسة في الولايات المتحدة إلى الصورة السالبة للشيخوخة في الإعلام سببه الاهتمام بالجمال والشباب والثروة خاصة في الدعايات. ودراسة أخرى قامت على مراقبة برامج ومسلسلات كافة تلفزيونات تورنتو- كندا أظهرت أنه خلال ثمانية أسابيع ظهر كبار السن فقط بنسبة 2% من مساحة البث التلفزيوني. صحيح أن الإنسان يحترم السن الذي يعيشه فلا يتصابى الشيخ، ولا يتهالك الشاب. فالعيش في خط الزمن متعة ما بعدها متعة، لأن كل مرحلة عمرية لها اهتماماتها ومتطلباتها وجمالها. في لقاء تلفزيوني عبر الهاتف مع الممثلة الكويتية سعاد عبدالله، قدمها المذيع قائلا: أهلا بسندريلا الشاشة الخليجية، فردت عليه " أي سندريلا الله يهداك أنا جدة وأحفادي كبرك، ما أبي أعيش زماني وزمان غيري" نعم احترام الذات يأتي من احترام الزمن العمري. ولكن، هل الدور الذي نرتضيه للجد في وقتنا الحالي هو الراوي الذي يقص علينا ماذا جرى في السنوات السالفة ؟ وهل الجدة حاليا هي فقط المحطة التي يقضي الأحفاد عندها وقتهم، عندما يريد الأبوان أن يسافرا منفردين أو أن يقضيا ليلتهما في مطعم رومانسي بعد انقضاء جائحة كورونا، هل هذا هو الدور المطلوب؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم. لفتة جادة من كافة أطياف المجتمع إلى الاستفادة من خبرات "الأولين" بشكل مخطط ومقصود كي يحيوا حياة رائعة، وهم يشعرون معها بأنهم مصدر إلهام لا ينتهي. ويا حبذا لو يتم تبني حملة من خلال مناهجنا الدراسية وأنشطتنا المدرسية والجامعية ومؤسساتنا الحكومية والخاصة لتنصيب هؤلاء "الثروة" فوق رؤوسنا. ولنطلق شعاراً في العام الدراسي القادم" أنتم الخير والبركة " كي يكون فعلا عام خير وبركة. آخر المطاف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالاً " فلنتح لهم المجال بيننا ليستمروا في أعمالهم الحسنة لمجتمعنا. دمتم بود. [email protected]