04 نوفمبر 2025
تسجيلالزمن سنة كونية فُرضت على البشرية، فلا يوجد شيء إلا وكان خاضعاً لها، إذ يقول تعالى: (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى..). وبذلك فإن الأشياء جميعها تخضع لآجال مسمَّاة، ومن تلك الأشياء: العقود القانونية التي نظمها المشرّع، ومن أشهر العقود التي تقع على عاتق الزمن هي: (عقد الإيجار). ويرتبط عقد الإيجار بمدة محددة، وذلك من خلال قياس الانتفاع الذي سيحصل عليه المؤجر خلال وحدة زمنية، ونتيجة لهذا الاقتران والارتباط بعنصر الزمن الذي يصعب معرفة نهايته، يستمر العقد لأجل غير مسمى، خاصة إذا عمد طرفا العقد على ألَّا يضعا حداً ينتهي به، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لمنع التأبيد والديمومة هي تفرد كل طرف في التعبير عن إرادته للآخر بإنهاء العقد، وذلك في حالة عدم وضع المشرع للحلول. لا تثور أي إشكالية عندما يتفق الأطراف على مدة معينة للعقد، بل إنها تثار عندما يتم غض الطَّرف من قِبل الطرفين عن تحديد هذه المدة أو أنهما قد اتفقا على مدة محددة ولكن بعبارة غير واضحة، أو أنه قد تعذر إثبات هذه المدة التي اتُّفق عليها، فكيف وضع المشرع الحلول لتفادي هذه النزاعات التي تنشأ بهذا الخصوص؟ وهل رسم المشرع حدود هذا العقد عن طريق وضع حد أدنى أو أقصى لمدة الإيجار؟ أكد المشرع على توقيت عقد الإيجار في أكثر من موضع، ومن تلك المواضع نص المادة 588 من القانون المدني القطري حيث نصت على أنه: 1 - «إذا عقد الإيجار دون تحديد مدة، أو عقد لمدة غير معينة، أو تعذر إثبات مدته، اعتبر الإيجار منعقداً للمدة المحددة لدفع الأجرة. 2 - ينتهي الإيجار بانقضاء هذه المدة إذا نبه أحد المتعاقدين على الآخر بالإخلاء قبل نصفها الأخير على ألا يزيد ميعاد التنبيه على ثلاثة أشهر». لا يمكن أن نتطرق إلى الاستثناء قبل بيان الأصل، وقد أورد المشرع تعريف عقد الإيجار، وذلك بنص المادة 582 من القانون المدني التي نصت على أن: «الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكِّن المستأجر من الانتفاع بشيء معين لمدة محدودة في مقابل عوض مالي». فالأصل هو اتفاق المتعاقدين على مدة معينة لعقد الإيجار، كأن تكون سنةً أو شهرًا أو أسبوعًا أو يومًا أو ساعةً، وهذا ما يجري عمله دائمًا، ولا سلطان عليهم في هذا وذلك فيما لم يرد به نص، ونجد أن المشرع لم يعين حدًا أدنى لعقد الإيجار في القانون المدني، ولذلك فإنه يجوز للمدة أن تكون ساعةً، كتأجير الدراجات النارية، أو يومًا، كتأجير الشقق السكنية. إلا أن المشرع جاء في نصوص خاصة ونص على حد أدنى كما في المادة 640 من القانون أعلاه، حيث نصت على أنه: «إذا ذكر في العقد أن الإيجار قد عقد لسنة أو لعدة سنوات، كان المقصود من ذلك أنه عقد لدورة زراعية سنوية أو لعدة دورات»، ونستخلص من ذلك أن الحد الأدنى لإيجار الأراضي الزراعية هو الدورة الزراعية السنوية -متوسط الدورة الزراعية سنتان، والمراد من ذلك هو أن نعلم: هل الأرض صالحة للاستزراع أم لا؟ وبالنسبة للحد الأقصى، فنجد أن المشرع قد قام بتقييد التأبيد كقاعدة عامة بمدة معينة في المادة 589 من القانون أعلاه، حيث نصت على أنه: « لا يجوز أن تتجاوز مدة الإيجار خمساً وعشرين سنة. فإن كان عقد الإيجار لمدة أطول أو كان مؤبداً ردت مدته إلى هذا القدر، ما لم يكن الإيجار معقوداً لمدة حياة المؤجر أو المستأجر، فيستمر العقد لهذه المدة ولو زادت على خمس وعشرين سنة»، واستنادًا الى ما سبق، فإن عقد الإيجار ليس من العقود المؤبدة، ولذلك قد وُجد حد أقصى يتمثل في خمسٍ وعشرين سنة، فإذا زاد عن ذلك ارتد إلى المدة القصوى المسموح بها، وهي خمسٌ وعشرون سنة، فلو اتفق المستأجر على تأجير منزل المؤجر لمدة خمسٍ وثلاثين سنة، فإن المدة ترتد إلى الحد الأقصى، وتصبح مدة العقد خمسًا وعشرين سنة، أي أنه يبطل ما زاد عن ذلك، ويأخذ الحكم نفسه في حالة تم التأجير على سبيل الـتأبيد، كأن يؤجر المؤجر منزله وينص على أن المدة دائمة مؤبدة. ولا يعد العقد مؤبداً إذا اتفق أطرافه على أن يعقد طوال حياة المؤجر أو المستأجر، وبناء على ذلك فإنه يجوز أن يزيد على خمسٍ وعشرين سنة؛ «لأن حياة الإنسان مهما طالت هي مؤقته بطبيعتها»، وكما لا يمنع أن يشترط الأطراف على أن يكون العقد مبرمًا طوال حياة أي منهم، فبوفاة أحدهم ينقضي العقد، والعكس كذلك، فيظل العقد سارياً طوال مدة حياتهم، أي أنه عند وفاتهم ينقضي العقد، وأيضاً فإنه يجوز أن يعلق عقد الإيجار على حياة شخص ثالث. واستثناءً لما سبق، فقد يحدث جدلًا أن يتفق المتعاقدان على عقد من عقود الإيجار ولكن دون تحديد مدة له، أو أنه قد تم الاتفاق على مدة غير محددة، أو أن يعجز من عليه عبء الإثبات عن بيان مدة العقد، فتتحدد المدة بنص القانون، وعليه فإن العقد الذي لا تحدد به مدة ليس باطلاً، في حين أنه لو لم يتفق الأطراف على مدة محددة من الأساس، فالعقد يعد باطلاً لتخلف ركن المحل. جاءت المادة 588 بثلاثة فروض: 1 - عندما يهمل أطراف العقد ذكرَ مدة العقد. 2 - عندما تكون المدة غير معينة، كأن يتفق الأطراف على أن مدة العقد هي المدة المناسبة، أو عند تجديد عقد الإيجار فيتم عقده لمدة غير محددة. 3 -عند تعذر إثبات المدة. في جميع الأحوال السابقة، يعد عقد الإيجار منعقداً، ومدته هي المدة المحددة لدفع الأجرة، فرضاً لو اتفق الأطراف على إبرام عقد إيجار إلا أنهم أهملوا ذكر مدته، فالحاكم هو موعد دفع الأجرة، ولذلك عندما تدفع أجرة السيارة مشاهرة، يصبح هنا العقد مبرماً لمدة شهر، أو عندما يكون موعد دفع أجرة الشقة هو كل ستة أشهر، تصبح مدة العقد ستة أشهر، وقس على ذلك. وإذا أراد أحد الأطراف إنهاء العقد في الفروض السابقة قبل انتهاء المدة فيمكن ذلك بشرط وهو: إخطار الطرف الآخر قبل نصف المدة الأخير على ألا يزيد ميعاد التنبيه على ثلاثة أشهر، ومثال على ذلك: عقد إيجار لم يُتفق على مدته، واتفق الأطراف على أن تدفع الأجرة كل ستة أشهر، فإن مدة العقد في هذا الفرض تكون ستة أشهر، فإنه وفي هذه الحالة يجوز لأحد الأطراف إنهاء العقد بإخطار الطرف الآخر قبل ثلاثة أشهر من تمام الشهر السادس.