09 نوفمبر 2025

تسجيل

عملية إنقاذ أوروبية بمضامين عالمية

01 مايو 2011

هل تعنينا نحن في العالم العربي، وبالأخص في الخليج أزمة الاقتصاد الأوروبي؟ لقد انطلقت هناك حملات إنقاذ متتالية والتي تم من خلالها حتى الآن ضخ 275 مليار يورو أو ما يعادل 370 مليار دولار في الاقتصادات الأوروبية التي تعاني من أزمة ديون، حيث توزع مبلغ الإنقاذ لتبلغ حصة اليونان 110 مليارات يورو و85 مليار يورو لأيرلندا 80 مليار يورو للبرتغال. للإجابة على هذا التساؤل، يجب النظر إلى مساهمة بريطانيا في عملية إنقاذ البلدان الأعضاء في اتفاقية "ماسترخت" للعملة الأوروبية، علما بأنها ليست طرفا في هذه الاتفاقية أو في العملة الأوروبية المشتركة، حيث أثارت هذه المساهمة البريطانية في عملية الإنقاذ الأوروبية جدلا واسعا في الأوساط السياسية والمالية البريطانية بين مؤيد ومعارض. والحقيقة أنه لدى الطرفين مبرراتهم الخاصة بتأييد ورفض عملية المساهمة، فبريطانيا ليست عضوا في مجموعة اليورو، إلا أن الوجه الآخر للحقيقة، هو أن الاقتصاد البريطاني مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الأوروبي الذي يعتمد عليه بصورة كبيرة في الاستيراد والتصدير وفي الخدمات المالية والمصرفية، باعتبار لندن المركز المالي الأول في العالم. لذلك، فإن انهيار اقتصاد أي بلد أوروبي سيشمل بتداعياته ليس الاقتصاد البريطاني وبقية الاقتصادات الأوروبية فحسب، وإنما اقتصادات معظم بلدان العالم، بما فيها الاقتصادات العربية، وذلك لأسباب عديدة، فإذا كانت بريطانيا تعتمد في الكثير من النواحي على الامتيازات التي تتمتع بها كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإن جزءا كبيرا من الصادرات النفطية لدول الخليج العربي والبلدان العربية الأخرى يتجه للبلدان الأوروبية، كما أن هذه البلدان تعتمد في سد احتياجاتها من السلع المتطورة على بلدان الاتحاد الأوروبي. وإلى ذلك، فإن النسبة الأكبر من الاستثمارات العربية والخليجية تتمركز في الأسواق الأوروبية، حيث بقيت هذه الاستثمارات محافظة على معظم أصولها في أوروبا أثناء الأزمة، وذلك على العكس من الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تكبدت خسائر جسيمة من جراء الأزمة المالية. هذه العلاقة في التأثير وتبادل المصالح هي التي تدفع في معظم الأحيان إلى المساعدة المباشرة وغير المباشرة في عمليات الإنقاذ المالي وتقديم الإعانات اللازمة في أوقات الأزمات. وإذا كانت مساهمة بريطانيا في عمليات الإنقاذ الأوروبية مباشرة بحكم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، فإن مساهمة بعض البلدان الخليجية جاءت غير مباشرة من خلال ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصادات الأوروبية التي تعاني من صعوبات مالية. وتحمل هذه المساهمة الخليجية غير المباشرة العديد من الدلائل والنضج الاستثماري لدى متخذ القرار الخليجي، فأولا يأتي هذا التوجه للحد من تباطأ نمو الاقتصاد الأوروبي والذي يمكن أن يتسبب في انخفاض أسعار النفط ويقلل من عائدات النفط في البلدان المصدرة، حيث أسهمت الاستثمارات الخليجية في تنشيط بعض الاقتصادات الأوروبية. وثانيا، فقد توفرت في اليونان وأيرلندا والبرتغال وفي بلدان أوروبية أخرى فرصا استثمارية نادرة ومجدية بسبب انخفاض قيمة الأصول والناجم عن الأزمة المالية العالمية وعن المصاعب الإضافية التي عانت منها هذه البلدان، مما سيحقق عائدات مجزية لهذه الاستثمارات في المستقبل. وفي هذا الصدد تنوي دولة قطر استثمار خمسة مليارات دولار في اليونان وحدها، مع دعوة يونانية لتسهيل المشاركة القطرية في تنفيذ مشاريع أخرى في البنية التحتية بقيمة تتراوح ما بين 5-7 مليارات يورو، حيث أشار الرئيس اليوناني إلى أن الاستثمارات القطرية تفتح الطريق لتخطي الأزمة. وكدليل على صحة التوجهات الخليجية، فقد أعلن بنك التنمية الصيني عن نيته للاستثمار في البلدان الأوروبية التي تعاني من صعوبات مالية، وهو ما يشير إلى حجم الفرص المهمة التي يمكن أن تتوفر من خلال الأزمات. وبجانب علاقة تبادل المصالح بين مختلف الأطراف تكمن الكثير من التفاصيل التي زادت من الترابط بين الاقتصادات العالمية في ظل العولمة، بحيث لم تعد الانهيارات والصعوبات الاقتصادية تقتصر على بقعة جغرافية محددة، وهو ما يضفي على عملية الإنقاذ الأوروبية بعدا أكبر من قضية إنقاذ عملتها الموحدة "اليورو"، تلك الحملة الإنقاذية التي أضفت عليها العملة الأوروبية مضامين جديدة لابد من تسخيرها والاستفادة منها لتحقيق مكاسب إضافية للاقتصاد العالمي من خلال وجود اليورو، كعملة منافسة بقوة للدولار الأمريكي، مما يتيح خيارات أكثر استقرارا للمستثمرين في الأسواق العالمية.