16 سبتمبر 2025

تسجيل

متى تغضب مصر؟

30 ديسمبر 2011

لا أريد أن أصدق أن بنيامين نتنياهو سيزور مصر خلال الأيام القليلة المقبلة، صحيح أنني واحد ممن تمنوا ألا يشاهدوا صورته في القاهرة في أي وقت، هو وأمثاله من مجرمي الحرب الإسرائيليين، إلا أنني لم أتخيل أن نستقبله في الظروف الراهنة بوجه أخص، أعني بعد أيام معدودة من الإعلان عن ضبط شبكة تجسس إسرائيلية في مصر، اتهم فيها أحد المصريين، وفي الوقت الذي يصر فيه الرجل على تدمير المستقبل الفلسطيني بانطلاقه المجنون في سياسة الاستيطان والتهويد، ضمن سعيه الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية، إلى جانب تنصله حتى من الاتفاقات التي وقعها سابقوه لتسوية القضية، ومن ثم فضح الفلسطينيين وأذل العرب أجمعين، إذ لم يعد اتفاق أوسلو يعني له شيئا، كما أن «المبادرة العربية» عوملت بدرجة عالية من الاحتقار والازدراء. هل أبعد كل ذلك يستقبل الرجل في مصر، ويمد كبار المسؤولين في الدولة أيديهم لمصافحته، ثم يجالسونه ويبتسمون في وجهه ويتضاحكون معه على مائدة الطعام؟ ــ ذلك واحد من الأسئلة التي عنت لي حين صفعت عيني في ذلك الصباح الأخبار التي ناقلتها الإذاعات ووكالات الأنباء حول زيارة للقاهرة يفترض أن يقوم بها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي أراد يوم الأحد المقبل (2 يناير) لمناقشة ترتيبات زيارة السيد نتنياهو. وكانت جريدة «الحياة» اللندنية قد نشرت في 26/12 الخبر منسوبا إلى «مصدر مصري رفيع»، ونقلت عنه قوله «سنحدد مع أراد موعد الزيارة»، وقد استفزني في الخبر المنشور قول المصدر المذكور إن الزيارة ستتناول المسار السلمي وضرورة تحريك العملية السلمية (التي فشل فيها أوباما؟!) وسنبلغ الإسرائيليين استياءنا من عدم الالتزام باستحقاقات العملية السلمية، وعلى رأسها تجميد الاستيطان، وهذا «الاستياء» الذي عبر عنه المصدر المصري تكرر في عبارة أخرى بالخبر المنشور. قبل أي استطراد أنبه إلى أمرين، الأول أننا نتحدث عن أخبار صحافية متداولة، والثاني أن الجهات الرسمية في مصر لم تنفها أو تصحح مضمونها، رغم أهميتها وعمق دلالتها. وهو ما يسوغ لنا أن نرجح تصديقها، والتعامل معها باعتبارها معلومات سليمة، حتى إشعار آخر على الأقل. سواء كانت كلمة «الاستياء» الواردة في الخبر من عند من حرره، أو أنها وردت على لسان المصدر المصري الرفيع، فإنها تظل تعبيرا مستفزا للغاية، ذلك أن من حق المرء أن يتساءل إذا كان مجرد الاستياء هو كل ما يمكن أن تستشعره السلطة في مصر، كرد فعل على جرائم السيد نتنياهو وحكومته، فإن ذلك يعد تسامحا أقرب إلى التفريط في حق المروءة والكرامة. ليس التعبير جديدا في حقيقة الأمر، إذ لا أشك في أن مصر أبلغت إسرائيل في بعض المواقف الحرجة المماثلة باستيائها وربما عتابها أيضا، لكن القدر الثابت أن مصر لم تغضب في أي وقت، أو بالدقة فإنها لم تعلن غضبها، حتى بالوسائل الدبلوماسية التي تتمثل في تقليص التمثيل الدبلوماسية أو سحب السير أو التلويح بورقة العلاقات الاقتصادية. حتى إذا ذهبنا إلى مدى أبعد ونفضنا أيدينا من الملف الفلسطيني التزاما بروح اتفاقيات كامب ديفيد، ونظرنا إلى المصالح المصرية المباشرة، فسنجد أن إسرائيل ارتكبت قائمة من الجرائم بحق مصر منها ما يلي: اختراق المجال الجوي وقصف منطقة الحدود مع غزة بحجة تدمير الأنفاق ــ قتل ما لا يقل عن 12 شخصا من الجنود المصريين الذين يحرسون الحدود مع القطاع (محكمة استئناف القاهرة أصدرت في 16/9/2009 حكما بإلزام السفير الإسرائيلي بدفع عشرة ملايين دولار تعويضا لورثة أحد الجنود المصريين (عامر أبو بكر أبو سعدة) وهو أحد ثلاثة تعمد الإسرائيليون قتلهم في 17/11/2004، ولم يكترث أحد بالحكم لا في مصر ولا في إسرائيل ــ تكرار عمليات التجسس على الأوضاع الداخلية في مصر ــ الإسهام في دفع عملية فصل جنوب السودان لتكثيف الضغط على مصر اختراق دول أعالي النيل (إثيوبيا بوجه أخص) وتحريضها ضد القاهرة. هذه الخلفية تستدعي عدة أسئلة منها مثلا: إذا لم تغضب مصر الرسمية لكرامة أبنائها ولا لأمنها القومي، وإذا لم تغضب لإذلال الفلسطينيين ومحاولة تركيعهم وتصفية قضيتهم، فمتى تغضب إذن؟ ــ ولماذا تستأسد مصر على المقاومة الفلسطينية وتشتد في قطيعتها مع سوريا، وخصومتها مع إيران، في حين تخاطب إسرائيل بلغة الحملان؟ ــ ثم لو أن إسرائيل تصرفت على ذلك النحو مع تركيا، فهل كان يمكن أن يستقبل رئيس وزرائها في أنقرة، قبل أن يعتذر عما اقترفته حكومته، ويعد بألا يعود إلى ذات الأفعال مرة أخرى؟ إن استقبال نتنياهو في القاهرة في أي وقت إهانة لمصر وشعبها؟ أما قدومه إليها في الوقت الراهن على وجه التحديد فهو العار بعينه، ولم أفهم بعد ما الذي يضطر مصر إلى القبول بالإهانة أو احتمال وصمة العار.