15 سبتمبر 2025

تسجيل

"عمران" و"كيم فوك"

29 ديسمبر 2016

صورتان أبرزتهما صحف نهاية العام، الأولى للطفل عمران دقنيش أحد ضحايا مذبحة حلب. والثانية لفتاة النابالم كيم فوك التي كانت ضمن ضحايا العدوان الأمريكي على فيتنام. منظر عمران الذي غرق وجهه في الدماء في حين جلس ذاهلًا وفاقدا للنطق في عربة إسعاف بعد إخراجه من تحت أنقاض منزله الذي دمر تم استعادته ورشح ليكون صورة العام. أما كيم فوك فإن قصتها لا تزال شاغلة للأذهان رغم مضي أكثر من أربعين عاما على الجريمة التي ارتكبت بحقها عام ١٩٧٢. ذلك أنها بعدما أجرت ١٧ عملية سمحت لها بالعودة إلى الحياة، فإنها ظلت تعاني الآلام المبرحة التي لم تتخلص منها، حتى بدأت أخيرا علاجا بالليزر في ميامي، وعدت بأنه سينهي معاناتها.صورة كيم الباكية وهي تركض عارية تماما بعدما أهلكت النابالم ثيابها وأحرقت جلدها روعت العالم آنذاك اعتبرت عملا أسهم في تشكيل التاريخ، وفاز صاحبها المصور نيك أوت بعديد من الجوائز الدولية. ورغم أن الفتاة هاجرت إلى كندا وتزوجت وأصبحت أما لولدين إلا أنها ما زالت تحظى بالاهتمام في العالم الغربي، إذ بعدما أنشئت مؤسسة باسمها لمعالجة ضحايا الحروب، فإنها عينت سفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو في عام ١٩٧٩ وكانت قد زارت الولايات المتحدة في العام الذي سبقه واستقبلت هناك بحفاوة كبيرة. والتقت هناك الطيار الأمريكي الذي قصف بلدتها «تراج بانج»، (اسمه جون بلامار) وقد اعتذر لها وطلب منها أن تسامحه، فردت أنها ما زالت تعانى آثار النابالم لكن قلبها صار صافيا.النابالم الذي فجر غضب العالم وجعل الصورة تسهم في إنهاء حرب فيتنام في السبعينيات، صار يعبأ في براميل تلقى يوما بعد يوم على العديد من المدن السورية. أما صورة كيم فوك فقد غدت محفورة في الذاكرة الغربية وحية لدى مؤسسات الضمير وحقوق الإنسان في العالم الخارجي.إذا جاز لنا أن نتخير صورة للعام الحالي فسوف يحيرنا كم الصور المروعة التي تستحق كل واحدة منها أن تعلق على جدار العام فاضحة أهوال الجحيم الذي يعاني منه السوريون منذ خمس سنوات، وفاضحة بنفس القدر وحشية نظام دمشق وحلفائه، وفداحة جريمة الصمت الذي قابل كل ذلك.أمثال عمران دقنيش كثيرون، بعضهم صار أشلاء تحت الركام وبعضهم أفقده الهول الذاكرة والقدرة على النطق. وهناك آخرون فقدوا حياتهم تحت الأنقاض أو في أعماق البحار. وصورة الطفل إيلان الكردي ابن الأعوام الثلاثة الذي ألقت الأمواج جثته على الشواطئ الليبية رمز لهؤلاء. وكلنا نذكر كيف تناقلت وسائل الإعلام صورته المفجعة والصادمة في العام الماضي، لكن بشاعة الصورة لم تحرك شيئا في العالم المحيط.منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أعلنت في الأسبوع الماضي أن ضحايا الحرب السورية يتراوحون بين أربعة وثمانية ملايين طفل، وأن ٨٠٪ من الأطفال السوريين تأثروا بسبب الحرب بدرجة أو أخرى. وهي أرقام لو كانت عن حيوانات برية أو طيور معرضة للانقراض لأثارت عاصفة من التضامن واستنهضت همم عديد من الجهات المعنية بالتنوع والحفاظ على البيئة.لم ينس أحد قصة كيم فوك طوال الأربعين سنة الماضية، لكن أرتال الأطفال السوريين الذين كانوا ضحايا النابالم في حلب وداريا وريف دمشق لم تحرك شيئا في العالم العربي أو الخارجي، ذلك أن إبادة البشر في بلادنا صارت عرفا أمات الضمائر وشوهها ــ ترى كم عربيا ينبغي أن يباد حتى تتخلص أمتنا من الظلم الجاثم على صدورها؟.