16 سبتمبر 2025

تسجيل

اسمعونا مرَّة

29 مارس 2012

حين تبنى مجلس الشعب بالإجماع بيان لجنة الشؤون العربية الذي صدر في أعقاب الغارات الإسرائيلية على غزة، ودعا إلى تبني موقف مصري حازم إزاء تلك الجريمة، تباينت ردود الأفعال في داخل مصر. إذ في حين جاء البيان معبرا عن مشاعر الشارع المصري فإن بعض شرائح النخب انتقدت البيان بين من اعتبره «جعجعة» تعيدنا إلى خطاب الستينيات، ومن اعتبره إخلالا باستحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل. والأولون لا كلام لنا معهم. لأن أغلبهم من فريق التطبيع الذين تلوثت مداركهم ولم يعد يجدي معهم أي حوار. أما الآخرون فبينهم أناس محترمون لديهم وجهة نظر تستحق المناقشة. من هؤلاء السفير المخضرم إيهاب وهبة، الذي نشرت له جريدة «الشروق» مقالة في 17 مارس الحالي تحت عنوان «حتى لا يحرفنا الحماس بعيدا عن مبتغانا». كان بيان لجنة الشؤون العربية الذي صدر في 12/3 قد ركز على عدة نقاط هي: ــ إن مصر الثورة لن تكون أبداً صديقا أو شريكا أو حليفا للكيان الصهيوني الذي نعتبره العدو الأول لمصر ولأمتنا العربية. ــ إن الحكومة المصرية مطالبة بمراجعة كل علاقاتها واتفاقياتها مع هذا العدو وما تمثله من مصادر تهديد حقيقية للأمن والمصالح الوطنية المصرية. ــ المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، وسحب السفير المصري من تل أبيب، ووقف تصدير الغاز المصري لهذا الكيان، وتجميد العمل باتفاقية الكويز وشروطها المجحفة بالسيادة والمصالح الوطنية المصرية. ــ تبني خيار المقاومة بكل أنواعها وأشكالها، العودة إلى تفعيل سياسة المقاطعة العربية الشاملة للكيان الصهيوني. في تعليقه على البيان لم يخف السفير إيهاب وهبة إدانته «للأعمال الإجرامية» التي تقوم بها إسرائيل، لكنه فرق بين مستويين من الإجراءات في الرد على العدوان الإسرائيلي: مستوى يتعلق بحق مصر في ممارسة سيادتها (مثل سحب السفير أو تجميد اتفاقية الكويز أو وقف تصدير الغاز). أما المستوى الآخر فيتعلق بالتزامات مصر الدولية التي سبق تحصينها آنذاك بموافقة مجلس الشعب وبالاستفتاء العام. والتحفظ الذي أبداه السفير وهبة انصب على ذلك المستوى الثاني، حيث اعتبر أن بعض ما دعا إليه بيان لجنة الشؤون العربية يتعارض مع نصوص واستحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل التي وقعت في عام 1979. تعليقي على مقالة السفير إيهاب وهبة يتلخص فيما يلي: ــ إن بيان لجنة الشؤون العربية تحدث عن «مصر الثورة» التي يفترض أنها مختلفة عن مصر مبارك. ومن حقها أن تتعامل بطريقة مختلفة مع تعهدات العصر الذي انقلبت عليه، علما بأن البيان لم يتحدث عن خرق أو إلغاء معاهدة السلام، وإنما دعا إلى مراجعة علاقاتها واتفاقياتها التي تمثل تهديدا للأمن القومي المصري. ــ إن البيان إذا كان قد اعتبر إسرائيل عدوا، فإنه لم يعبر عن المشاعر الحقيقية للشعب المصري فحسب ولكنه أيضا بادل الإسرائيليين مشاعرهم، ذلك أن خطابهم الإعلامي كان طيلة السنوات التي مضت يتحدث عن نظام حليف في مصر وشعب عدو. ــ إذا فهمنا وقدرنا منطق الدبلوماسي المخضرم في حديثه عن الاتفاقات الدولية، فأحسب أنه يتعين أيضا فهم وتقدير موقف لجنة تضم نفرا من ممثلي الشعب. وليس مطلوبا من الأخيرين أن يكونوا بدورهم دبلوماسيين. ــ القول بأن مجلس الشعب يجب أن يسير على خطى الحكومة في معاهدة السلام أو في غيرها يطالب النواب المنتمين بأن يتحولوا إلى موظفين في الخارجية. ثم إنه لا غضاضة في أن يتبنى المجلس موقفا مختلفا عن حكومته، ويدعو مثلا إلى إعادة النظر في بعض الاتفاقات الدولية، التي زيَّفت إرادة الشعب وأهانت مصر ودورها التاريخي. ــ إنه ليست هناك معاهدات أبدية، ومن ثم لا ينبغي أن يغلق باب الاجتهاد أو التفكير في إعادة النظر في معاهدة السلام في الظرف التاريخي المناسب. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن تحجم مصر عن الدفاع عن مصالحها العليا وأمنها القومي التي فرط فيها النظام السابق، كما لا ينبغي تخويفها بمذكرة التفاهم التي أشير إليها بين إسرائيل والولايات المتحدة. لقد سئمنا الاستماع إلى كلام الحكومة وحدها طوال نصف القرن المنقضي، ومن حقنا أن نطالبها بأن تستمع إلى رأي الشعب بعد الثورة، حتى وإن كان من قبيل التنفيس و«فشَّة الخلق» كما يقول اللبنانيون، وإذا كان استحضار هذه المعاني واجبا في كل وقت، فإنه يعد أوجب اليوم بوجه أخص، في ذكرى يوم الأرض التي تحل غدا (٣٠ مارس)، وهو اليوم الذي انفجر فيه غضب فلسطيني 48 عام ١٩٧٦، إثر مصادرة 21 ألف دونم من أراضيهم لتخصيصها للمستوطنات، ضمن مخطط تهديد الجليل. وأسفر الانفجار الشعبي عن قتل ستة فلسطينيين واعتقال 300. الأمر الذي أبقى على ذكرى ذلك اليوم محفورة في الأذهان، ضمن شواهد الجريمة الكبرى التي حاولت الاتفاقات الدولية دفنها وطمس معالمها.