17 سبتمبر 2025
تسجيل"رحبنا بالعيدية لكننا ننتظر العيد".. كان ذلك تعليقا على قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعفو عن النشطاء المائة، الذي اعتبرته جريدة «الشروق» «عيدية» قدمها الرئيس للمجتمع المصري بمناسبة عيد الأضحى، إذ قلت إنه يستحق الترحيب، لأن إطلاق سراح مظلوم واحد مما يستحق الحفاوة، فإذا كانوا مائة فإن الحفاوة ينبغي أن تتضاعف. ولست مع الذين غمزوا في القرار بدعوى أن المفرج عنهم نقطة في بحر، أو لأنه محاولة لتحسين السمعة بعد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي انتقدت السلطات الأمنية المصرية ونددت بسوء معاملتها للمسجونين. وكانت جريدة «المصري اليوم» قد ربطت بين القرار وبين سفر الرئيس للولايات المتحدة في عنوانها الرئيسي لعددها الصادر في ٢٤/٩ الذي كان نصه «السيسي يفرج عن النشطاء ويزور نيويورك». أقول رغم كل ذلك فإن إطلاق سراح المائة ينبغي أن يستقبل باعتباره رسالة إيجابية تستحق التشجيع أيا كانت الحسابات السياسية التي حركتها. وفي هذه الحالة فإن الموقف المسؤول يفرض التعامل معها بحسبانها خطوة يرجى أن تتبعها خطوات أخرى لإنصاف بقية المظلومين وطي صفحة الاحتقان المخيم على الأجواء المصرية. ليس فقط إعمالا للقول المأثور، تفاءلوا بالخير تجدوه، (المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، ولكن أيضا لأن مصر مقبلة على انتخابات تشريعية قبل نهاية العام يفترض أن تمثل انفراجا على الصعيد الديمقراطي.. وهو ما نتمنى أن يستصحب انفراجا مماثلا على الصعيدين السياسي والأمني.كان مثيرا للانتباه في هذا الصدد البيان الذي أصدره السيد محمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي قال فيه إن المجلس سيواصل مساعيه حتى يشمل العفو الرئاسي باقي الشباب. وهو البيان الذي نشر يوم ٢٥/٩ وأعطى انطباعا بأن العفو الرئاسي كان ثمرة جهد بذله المجلس المذكور. ورغم أن خبرتنا بالمجلس تشكك في ذلك الادعاء.. خصوصا بعد فضيحة زيارة وفده لسجن العقرب. إذ تبين لنا أنها لم تكن أكثر من لقطة في الفيلم الدعائي الذي أعدته وزارة الداخلية، فإننا ونحن نتمنى تحقيق الانفراج من أي باب، لا نملك إلا أن نرحب بذلك المسعى آملين أن يلح فيه المجلس، وأن يكون بمقدوره حقا أن يشكل ضغطا يسهم بشكل جاد في إطلاق سراح المزيد من المظلومين. وكان الرئيس السيسي قد تحدث عن وجود أولئك المظلومين في شهر فبراير ــ منذ سبعة أشهر ــ ووعد بالإفراج عنهم «قريبا». وللعلم فإن الرئيس في حديثه الذي جرى بثه يوم ٢٢ فبراير من العام الحالي ذكر أنه دعا ممثلي الشباب الذين التقاهم إلى زيارة مختلف السجون لتحري أوضاع النزلاء فيها، وقال إن نتائج زيارتهم ستكون محل دراسة من جانب السلطة، في ضوئها سيتم الإفراج عمن تثبت مظلوميتهم. وهي الدعوة التي لم يبذل جهدا لتفعيلها للأسف. بل حين زار وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان سجن العقرب في أواخر شهر أغسطس الماضي، فإن شهادته كانت لصالح وزارة الداخلية بأكثر منها وقوفا إلى جانب المظلومين.العيد الذي نترقبه ونتمناه هو الذي يغلق فيه ملف الاحتقان وتطوى صفحته، المسكونة بالمرارات والأحزان، وإذا كانت هناك مبررات لدى القوات المسلحة لإطلاق ما سمي «بحق الشهيد». فحري بنا أن نخطو خطوة أبعد ونطلق يوما ما حملة «حق المظلوم» أو حق السجين. خصوصا أن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر، وكذلك الشهادات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تجمع على أن المظلوم شهيد حي.إننا لا نعرف كم عدد المحتجزين في السجون المصرية. وإذا كان الرقم المتداول يشير إلى أن عددهم ٤٠ ألفا، إلا أن هناك من يرتفع بالعدد إلى خمسين ألفا، وهناك من يشكك في الرقمين. ثم إننا لا نعرف شيئا عن أعداد السجون، خصوصا بعد اللغط الذي أثير حول سجون سرية خارج القانون، وما تردد عن تزايد حالات الاختفاء القسري. وفي حين أن التصريحات الرسمية تتحدث عن عدم وجود معتقلين سياسيين، فإن البيان الرسمي الذي صدر بخصوص المائة الذين تقرر الإفراج عنهم مؤخرا تحدث عنهم باعتبارهم «نشطاء سياسيين». أما الذي يحدث لنزلاء سجن العقرب فإنه مما يصعب تصديقه ويشيب له الولدان. إلى غير ذلك من المعلومات المثيرة للبلبلة، التي لا تجد مصادر موثوقة تصححها أو تنفيها.إنني هنا أتحدث عن آدمية البشر ولا أدافع عن أفكارهم أو مواقفهم، ولدي رأي مخالف بشأن سياساتهم. وأزعم أن كل خلاف معهم ينبغي أن يناقش في العلن، إلا أنه من الناحية الأخلاقية ومن المروءة أن تجري تلك المناقشة حين يكون بمقدور الطرف الآخر أن يرد منتقدا أو مدافعا عن وجهة نظره.إن عيدنا الحقيقي ــ والأكبر ــ هو ذلك اليوم الذي تنقشع فيه الغمة بحيث تحترم كرامة كل سجين. ويعود كل مظلوم إلى بيته، وبغير ذلك، حين يستمر الاحتقان وتتعمق الجراح ويستمر انسداد الأفق، فسنظل بلا عيد حقيقي. وستظل العيدية عربونا لفرحة مؤجلة وضوءا سرعان ما يخبو.