15 سبتمبر 2025

تسجيل

شرعيتهم على المحك

27 يناير 2011

خلاصات الوثائق التي بثتها الجزيرة خلال الأيام الأربعة الماضية تثير ما لا حصر له من الأسئلة التي تتعلق بمضونها، لكني معني في اللحظة الراهنة بالعثور على تسمية مناسبة للقضية التي كان يجرى الحديث عنها و للفعل الذي ظل يمارس خلالها. ذلك إنني بعدما تتبعت محاضر الجلسات و أذهلني المدى الذي ذهبت إليه العروض الفلسطينية، اعتبرت أن وصف ما جرى بأنه مباحثات أو مفاوضات أو تفاهمات أو تنسيق أمني هو من قبل التغليط و التدليس. و أقنعني ما وقعت عليه بأن أوصاف بريئة من ذلك القبيل يضلل الجماهير و يخدع الفلسطينيين بوجه أخص، من حيث إنه يوهمهم بأن ثمة آلية تتحرك، و أن ثمة أخذا و ردا من شأنه أن يأتي للفلسطينيين بشئ في نهاية المطاف، في حين أن ما أثبتته الوثائق أن الأمور تمضي في اتجاه مختلف تماما، وأن محورها الحقيقي هو كيفية تصفية القضية و إجهاض الحلم الفلسطيني بأفضل إخراج سياسي ممكن. صحيح أنهم ظلوا يقولون للإعلام كلاماً آخر حماسياً وجذاباً، لكننا اكتشفنا أن كلامهم في الغرف المغلقة كان مختلفاً كثيراً.إذ في حين ظلوا يتشددون و يتشدقون برفض فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية، فإن الوثائق نقلت على ألسنتهم -مثلا- أنهم يوافقون على أي تسمية تطلقها إسرائيل، لكنهم لا يريدون إعلان ذلك ولا صدمة الرأي العام الفلسطيني و العربي. بسبب من ذلك، فقد اعتبرت أن تسمية الفعل من الأهمية بمكان. إذ كما يحدث فى التقاضي حين يتم التكييف القانوني للجريمة، و ما إذا كانت مخالفة أو جنحة أو جناية، الأمر الذي يترتب عليه توجيه إلى محكمة معينة، و يضع سقفا للعقوبة فيها، فإننا بحاجة لأن نحدد هوية الجريمة السياسية التي كشفت عنها الوثائق لكي نبني على ذلك التداعيات الأخرى الضرورية. و ادعو في ذلك إلى التريث وعدم التعجل في إطلاق التكييف المطلوبا إلا بعد الإجابة على الأسئلة التالية: * بماذا يوصف «المفاوض» الفلسطيني حين يتنازل عن حق عودة أكثر من خمسة ملايين فلسطيني و يعرض عودة عشرة آلاف فقط خلال عشر سنوات؟ * ماذا نقول في المفاوض المذكور حين يبدي استعداداً لتقديم تنازلات في الحرم الشريف، ثم يقول صراحة إنه يقدم لإسرائيل أكبر أورشاليم (يقصد القدس) في التاريخ؟ * هل يمكن أن نطلق وصف التعاون أو التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و نظيرتها الإسرائيلية، حيت يتفاهم الطرفان على قتل بعض قادة المقاومة، و حين يعبر الإسرائيليون عن إعجابهم بالأداء الفلسطيني و يتحفظون فقط على قيام الآخيرين بتعذيب «أشقائهم» المقاومين، الأمر الذي يثير حفيظة الدول المانحة؟ * هل يدخل فى باب التعاون و التنسيق أن يقول صائب عريقات إننا قتلنا أبناء شعبنا للحفاظ على النظام، الذي يقصد به حماية أمن إسرائيل. و حين يعتبر رجال الأمن الفلسطينيين أنهم اعتقلوا في عام واحد 3700 من شباب المقاومة و استجوبوا4700 آخر للاشتباه في علاقاتهم بالمقاومة كما صادروا 1100 سلاح كان يفترض أن يوجه إلى صدر إسرائيل، بأنه نجاح؟ * هل يعقل أن يدعو سلام فياض إلى تشديد الحصار على غزة و يدعو أحمد قريع إسرائيل إلى احتلال معبر فيلادلفيا (صلاح الدين) لإحكام ذلك الحصار؟ * بماذا يوصف قول أبو مازن للإسرائيليين إن أى رصاصة توجه إلى إسرائيل تعد موجهة إلى الفلسطينيين أيضا؟ و من هم هؤلاء الفلسطينيون المتوحدون مع عدوهم التاريخي؟ * كيف يوصف المشهد الذي طالبت فيه السلطة الفلسطينية بمزيد من السلاح لمواجهة حماس فى غزة، و كيف نفهم قول وزيرة الخارجية تسيبي ليفني لكل من عريقات و قريع أن هدف إسرائيل الإستراتيجي هو تقويتكم و إضعاف حماس؟ و بماذا نفسر اعتبار العدو الإسرائيلي تقوية السلطة هدفا استراتيجيا له؟ * بماذا نفسر أيضا قول أبو مازن إنه أقنع أحد رجال الأعمال الفلسطينيين بالتبرع بمبلغ 50 مليون دولار لتمويل إذاعة خاصة بالسيد حسين موسوى المرشح السابق للرئاسة في إيران؟ أرجو أن تفكر معي جيداً في العثور على تكييف مناسب للفعل الذي أقدم عليه المفاوض الفلسطيني، و أن تستتبع ذلك بالتساؤل عن شرعيته في هذه الحالة و جدارته بالحديث عن القضية الفلسطينية و جدارته بالانتساب إلى فلسطين.