16 سبتمبر 2025
تسجيلالقادم بعد الانفصال سيكون أخطر وأبعد أثرا مما نتصورليس واضحا ولا مفهوما الهدف من الزيارة التي قام بها للخرطوم الرئيسان حسني مبارك ومعمر القذافي، ومعهما الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ذلك أننا إذا استبعدنا أن يكون الهدف هو الحفاظ على وحدة السودان، وهو الأمر الذي لم يعد واردا الآن، فلا يبقى أمامنا سوى مباركة إتمام الانفصال والدعوة إلى التسريح بإحسان، إذا استخدمنا المصطلح القرآني الذي يحث عن إيقاع الطلاق مع الحفاظ على كرامة الطرفين وتقليل الخسائر قدر الإمكان.وإذا كان الأمر كذلك، فللمرء أن يتساءل لماذا لم يتحرك أحد خلال الفترة السابقة للدفاع عن وحدة السودان، ولماذا جاء التحرك لمباركة الانفصال؟ وما حقيقة الدور الذي قام به العقيد القذافي في تأجيج الصراعات التي تفتك بالسودان، خصوصا في دارفور؟ وبماذا يفسر استقبال جوبا، عاصمة الجنوب، لقادة فصائل التمرد في دارفور في الوقت نفسه الذي كان وفد الرؤساء مجتمعا في الخرطوم مع الرئيس البشير ونائبه سلفاكير؟ وما حصة الولايات المتحدة وإسرائيل في الجنوب المستقل؟ وما طبيعة وحدود الأضرار التي يمكن أن تلحق بمصر جراء ذلك؟ وبماذا تفسر أن الولايات المتحدة بعد أن تكللت جهود مبعوثها إلى السودان بالنجاح النسبي الذي يفترض أن يؤدي إلى الانفصال، فإنها عمدت إلى تعيين مبعوث آخر لدارفور؟حين كان الرئيس مبارك وصاحباه في الخرطوم كانت تتفاعل على الأرض العوامل التالية:< وصل إلى جوبا عاصمة الجنوب حشد كبير من الخبراء الإسرائيليين في مختلف المجالات من الزراعة والتعدين والاقتصاد إلى الفنون والسياحة والإدارة، وقدر عددهم بنحو ألف خبير تقاطروا خلال الأسابيع الأخيرة.< أقامت إسرائيل جسرا جويا لنقل السلاح والعتاد في تل أبيب إلى بانجيه عاصمة إفريقيا الوسطى، ومنها تحمل على الشاحنات إلى جوبا.< سارعت أديس أبابا إلى إنشاء بنك إثيوبي جنوبي في جوبا، واستنفرت قواتها للتدخل لتثبيت الانفصال إذا لزم الأمر، في الوقت الذي أوفدت فيه مجموعة من المستشارين للعمل إلى جانب السلطة في الوضع المستجد.< أوغندا استنفرت قواتها في الوقت ذاته لصالح الانفصال، وعقد الرئيس موسيفيني سلسلة من الاجتماعات في عنتيبي مع مجموعتين إحداهما تمثل السلطة في الجنوب، والأخرى تمثل جماعات التمرد في دارفور.< استقبلت إسرائيل خمسة آلاف عنصر من المتمردين في دارفور لتدريبهم عسكريا، بعدما أقامت فصائل التمرد تحالفا للتنسيق فيما بينها، استعدادا للتعامل مع المرحلة التي تعقب الانفصال.هذه بعض المعلومات التي حصلتها من مصادر على صلة بمتابعة المشهد السوداني، وهي تعني أن القادم بعد الانفصال سيكون أخطر وأبعد أثرا مما نتصور، وأنه عند الحد الأدنى ــ وهذا كلامهم ــ فإن الجنوب سيتحول إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية. وأن هذا النموذج يراد له أن يتكدر في دارفور التي تستعد الآن للانتقال إلى تمثل النموذج الجنوبي وتعيين مبعوث أمريكي للتعامل مع ملف دارفور إشارة واضحة إلى ذلك.ناقشت الأمر مع أحد أبرز الخبراء السودانيين فوجدته مؤيدا لذلك الاستنتاج، وأدهشني قوله إن الأمر لو توقف عند ذلك الحد فإن السودان لن يتضرر كثيرا، وإن قطاعات عريضة من السودانيين أصبحت على استعداد للقبول بالوضع الذي سيستجد إذا تم الانفصال، وإن هناك من بات يقول إن العلاقات بين الشمال والجنوب في الوضع المستجد ربما صارت أفضل مما كانت عليه في السابق. أما الأمر الأخطر والذي يستحق انتباهنا حقا فهو أن مصر ستكون المتضرر الأكبر مما سيحدث، لأن وجود القاعدة الإسرائيلية سيظل عنصرا ضاغطا عليها دائما، ثم إن الدولة المستجدة ستكون لها كلمة فيما يخص المياه، وبالتالي فإنه من الناحية الإستراتيجية فإن انفصال الجنوب سيعد انقلابا في الخرائط الإستراتيجية، ليس واضحا أن مصر مكترثة به ناهيك عن أن تكون متحسبة له.ليس لديّ تعليق على هذا الكلام، ولكني لدي أسئلة متعددة بخصوصه، لا أعرف إلى من أوجهها، فضلا عن أنني لم أعد واثقا من صواب الرؤية الإستراتيجية المصرية، حتى صرت أتشكك أحيانا في أن هناك رؤية أساسا، وإتمام الزيارة الرئاسية وسط التحولات الخطيرة الحاصلة في الجنوب أبلغ دليل على ذلك.