16 سبتمبر 2025
تسجيلبعدما تمت تبرئة مبارك وعاد إلى بيته معززا مكرما في حين لايزال الذين ثاروا ضده في السجون، لا مفر من الاعتراف بأن «الفيلم» حقق نجاحا مشهودا، وأن الأطراف التي أشرفت على إنتاجه وإخراجه بلغت مرادها، حتى إشعار آخر على الأقل. وترتب على ذلك أن ارتفع في الفضاء المصري شعار «آسفين يا ريس»، بحيث كاد ينسى كثيرون أن نحو ألف من أجمل شباب مصر قتلوا وما لا يقل عن أربعة آلاف اصيبوا أو تمت إعاقتهم وتشويههم، قبل أن يتم خلع الرجل الذي جثم مع أعوانه على صدر مصر نحو ثلاثين عاما. كان عنوان البراءة للجميع هو ما أعلن في أعقاب تبرئة الرجل، التي سبقتها خطوات محكمة ومدروسة مهدت لذلك من خلال تبرئة أعوانه واحدا تلو الآخر، ومن ثم غسل أيديهم من دماء الشهداء ومن الفساد الذي استشرى والتدليس والتزوير الذي كان إحدى سمات عصره. وبعد إسدال الستار على المشهد الأخير من الفيلم طرح السؤال: لماذا لا نسمع شهادة الرجل على عصره؟ وهو ما فتح الباب لاستدعاء سؤال آخر يقول: ولماذا لا يتكلم الآخرون من أعوانه، وفي المقدمة منهم وزير الداخلية حبيب العادلى لكي نستكمل توثيق تاريخ تلك المرحلة؟ وإذ لا أستبعد حسن نية بعض الذين طرحوا هذه القضية، فإنني أستبعد أن تؤدي مثل تلك الشهادات إلى التعرف على حقائق المرحلة التي سبقت الثورة التي كان مبارك وأعوانه قائمين على الأمر في مصر خلالها. وأقطع بأن كلامهم عن أحداث الثورة التي استغرقت ١٨ يوما لن يخدم الحقيقة بأي حال. كما أنني لا أشك في أنه سيسعى إلى طمسها وتشويهها. ذلك أن شهاداتهم ستظل من قبيل الدفاع عن النفس، الذي لا يمكن أن يصنف باعتباره تاريخا، ولكنه سيظل مستهدفا تبييض تاريخ الرئيس الأسبق ورجاله وعصره. وهو أمر مبرر ومفهوم. لابد أن يكون المحامون قد لجأوا إليه في سياق إقامة مهرجان تبرئة الجميع. ليس لدي كلام عن سنوات حكم مبارك. لأن الإجماع الشعبي الذي بلغ ذروته في ٢٥ يناير كان بمثابة محاكمة حقيقية له، أدانته وأسقطته بجدارة استحقها. وأزعم أن فيلم وقائع الثورة الذي أتحدث عنه جرى إنتاجه وإخراجه بعد ذلك هو ما يستحق الحديث. ذلك أن الفيلم كتبت له روايتان إحداهما أعدها القضاء النزيه والثانية كتبتها الدولة العميقة. الرواية الأولى كتبت في مرحلة براءة الثورة وصفاء الإجماع الوطني، وتمثلت في لجنتي تقصي الحقائق التي رأسها اثنان من أرفع القضاة وأكثرهم نزاهة هما المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض الذي رأس لجنة تقصي حقائق أحداث الثورة. واللجنة الثانية رأسها المستشار عزت شرباص رئيس محكمة النقض الأسبق، وهذه تقصت حقائق مرحلة المجلس العسكري. وبطبيعة الحال فقد شارك مع كل منهما عدد معتبر من الإخصائيين والخبراء الذين تولوا بأنفسهم تحري الحقيقة في هاتين المرحلتين. أما الرواية الثانية فقد كتبتها عناصر الدولة العميقة واعتمدت على تحريات وتقارير الأجهزة الأمنية التي استعادت موقعها ودورها، واستهدفت إزالة آثار «عدوان» ٢٥ يناير. ولأسباب مفهومة تم إعدام الرواية الأولى ولم يعد لها ذكر. في حين أصبحت الرواية الثانية بمثابة التاريخ الرسمي للثورة الذي أعاد مبارك إلى بيته مرة أخرى بعدما غاب عنه في إجازة استغرقت ٦ سنوات، واقتضاها حسن إخراج المشهد. ليس ما حدث استثناء في الثورات التي عرفتها البشرية. ذلك أن ما كتب في ظلها كان مجرد شهادات أغلبها كان تزويرا وتدليسا، ولم يكتب تاريخها إلا بعد زوالها. وهو ما يستدعي السؤال التالي: هل عودة مبارك إلى بيته هو كل الفيلم أم جزؤه الأول؟