18 سبتمبر 2025
تسجيلالسلطة المصرية اكتشفت هذا الأسبوع أمرين، أولهما أن في البلد شبابا حملوا الثورة على أكتافهم ولكن الثورة نبذتهم ولم تعبر عما خرجوا من أجله. الأمر الثاني أن الإعلام انفلت عياره وأنه بحاجة إلى «ميثاق شرف» يضبط مساره ويقوِّم اعوجاجه. أما إمامة الفريق السيسي والتدليل الفقهي على أنه ولي الأمر الشرعي. فليس اكتشافا جديدا لأنه ثبت قبل عدة أسابيع، وما قيل في صدده هذا الأسبوع على لسان من وصف بأنه منسق الجبهة الوسطية لمواجهة العنف الديني والغلو السياسي (نشرته المصري اليوم أمس 22/1) فقد كان تبليغا لنا بما سبق أن بَلَغنا من قبل. كان جديدا اجتماع رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور مع ممثلين للشباب ذكرت صحف أمس أنهم ينتسبون إلى مختلف التيارات السياسية. وحسب الكلام المنشور فإن الرئيس تحدث إليهم عن فكرة تشكيل مفوضية الشباب التي تعد ترجمة لما قررته خريطة الطريق التي أعلنت قبل سبعة أشهر، ودعت إلى اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة، لكي يكونوا شركاء في صنع القرار السياسي. وفي تعبيره عن الاعتزاز بهم فإن المستشار منصور ذكر أن الشباب هم الركيزة الأساسية للنهضة والتقدم في مصر. بالتوازي مع ما سبق عقد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم اجتماعا مع مجموعة شبابية أخرى ضمت عناصر مثلت بعض الأحزاب والجماعات السياسية والاتحادات الطلابية. وقد نشرت جريدة «الوطن» تفاصيل اللقاء نقلا عن بعض الذين شاركوا فيه. منها مثلا أن الوزير قدم إليهم اعتذارا عن التجاوزات التي ارتكبها الجهاز الأمني في الجامعات خلال الفترة السابقة، وقد وصفها بأنها تجاوزات فردية وان الضباط الذين يرتكبون أخطاء يتم إعادة تأهيلهم، لافتا الانتباه إلى وجود فرد من إدارة حقوق الإنسان التابعة لوزارة الداخلية في كل قسم للشرطة. وهو يعمل على تطبيق معايير حقوق الإنسان في التعامل مع المواطنين. أضاف الوزير أنه فيما يتعلق بحالات القبض العشوائي فإنه من الوارد أن يلقى القبض على شباب لا علاقة لهم بالإخوان أو بالعنف، وقد طلب من الحضور تقديم قائمة بأسماء الذين تم القبض عليهم في الأحداث الأخيرة ولم تكن لهم صلة بأحداث العنف أو تعطيل الدراسة. في هذا الصدد وافق الوزير على تشكيل لجنة لحل الأزمات تكون موجودة أثناء اشتعال المظاهرات لكي يكون لها دور في الحفاظ على الأمن دون الإضرار بحق التظاهر وحرية التعبير. كما وافق على تمكين وفد من الشباب من زيارة اثنين من زملائهم المعتقلين (أحمد دومة وأحمد ماهر)، دون الإشارة إلى اسم ثالثهم علاء عبدالفتاح. النقطة الثانية المهمة التي أثيرت في الاجتماع حسبما ذكر ممثل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن وزير الداخلية قال إنه كان رافضا لقانون التظاهر، وأن القانون صدر في التوقيت الخطأ. وأن أحداث الشورى التي أعقبته كانت الصدام الوحيد الذي حدث مع شباب الثورة. وكان ذلك بدوره خطأ غير مقصود تم تداركه ولم يتكرر مرة أخرى. وأشار في هذا السياق إلى أن الضباط المسؤولين عن إلقاء البنات في الصحراء تمت معاقبتهم. النقطة الثالثة أن وزير الداخلية أكد لمجموعة الشباب أن وزارة الداخلية أو أيا من أجهزة الدولة لن تسمح بعودة النظامين السابق والأسبق. وأن هذه رسالة ينبغي أن تكون مستقرة في أذهان الجميع. الملاحظة الأساسية على كلام الوزير أنه خاطب ممثلين لأحزاب وجماعات مؤيدة للحكومة. من ثَمَّ فإنه لم يكن بحاجة لاعتذار عن تجاوزات الشرطة علما بأن الداخلية أنكرت دائما أن هناك تجاوزات، كما أنه لم يكن مضطرا لإخبارهم بأنه عارض قانون التظاهر. ولا لطمأنتهم إلى أن عودة النظام السابق مستبعدة. لذلك فأغلب الظن أنه أراد أن يوجه من خلالهم رسالة إلى جموع شباب الثورة الذين عبروا عن استيائهم وغضبهم بوسائل عدة، كان من بينها تحدي قانون التظاهر والتقاعس عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور. قضية ميثاق الشرف الإعلامي التي جرت الإشارة إليها في خريطة الطريق ونامت سبعة أشهر ثم استيقظت هذا الأسبوع واعتبرها بيان رئيس الوزراء «ضرورة ملحة»، وثيقة الصلة بتداعيات فضيحة التسجيلات التي أريد بها تشويه شباب الثورة وأسهمت في إغضابهم، ذلك أن السلطة أرادت أن تغسل يدها من الفضيحة، رغم أن أجهزتها هي التي سجلت وهي التي سربت، فأرادت أن تغطيها بحكاية ميثاق الشرف، وكأن إصدار الميثاق سوف يحول دون تكرار الفضيحة، الأمر الذي من شأنه أن يوجه رسالة مصالحة وطمأنة إلى الشباب. ظهور الاكتشافين هذا الأسبوع لم يكن مصادفة بطبيعة الحال، ولكنه يفهم بحسبانه استمالة للشباب وتسكينا لهم قبل حلول الذكرى الثالثة للثورة يوم السبت المقبل (25 يناير) خصوصا أن بعضهم بدا معلنا في الجامعات التي أصبحت الدراسة والامتحانات فيها تتم تحت حراسة الشرطة، وتحولت أفنيتها إلى معسكرات للأمن المركزي. وقد تم حل الإشكال مؤقتا بمضاعفة مدة إجازة نصف السنة بحيث أصبحت شهرا وليس 15 يوما فقط، وبقرار إخلاء المدن الجامعية من ساكنيها خلال العطلة. اللافت للنظر أن التصريحات الرسمية التي بررت الاكتشافين بأنهما من استحقاقات خريطة الطريق تجاهلت استحقاقا ثالثا لا يقل أهمية أوردته الخريطة، المتعلق بتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، ولا تفسير لذلك سوى أن قلقها من غضب الشباب أكبر، في حين أنها في الوقت الراهن ليست راغبة وليست مضطرة للوفاء بمطلب المصالحة. ولا أستبعد والأمر كذلك أن تسقط من الذاكرة حكاية مفوضية الشباب وميثاق الشرف إذا مر 25 يناير على خير ليعود الاكتشافان إلى الواجهة في أي مناسبة أخرى قادمة، قبل الانتخابات الرئاسية مثلا.