16 سبتمبر 2025
تسجيلحين تسقط الإدارة الأمريكية شرط احترام حقوق الإنسان من مسوغات تقديم المساعدات إلى مصر، هل يسرنا ذلك أم يحزننا؟ ــ خطر لي السؤال حين وقعت على الخبر الذي أبرزته صحيفة «المصري اليوم» على صفحتها الأولى في ١٢ فبراير الحالي، إذ نقلت الجريدة عن موقع «إنترسبت» الأمريكي أن إدارة الرئيس أوباما قدمت إلى الكونجرس مقترحاتها بشأن المساعدات الخارجية التي تقدم لمصر. ولم تتضمن تلك المقترحات الشرط الذي تضمنته الموازنات السابقة، التي تلزم مصر بمراعاة حقوق الإنسان. وكان ذلك الشرط يحجب ١٥٪ من قيمة المساعدات الأمريكية (ما يعادل ١٥٠ مليون دولار) لحساب استحقاقات ذلك البند، إذ تتضمن الفقرة ٧٠٤١ من الموازنة شروط منح المساعدات لمصر التي تمثل في تأكيد الخارجية الأمريكية على أن «الحكومة المصرية تحافظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وتلتزم بمعاهدة السلام، وأن تقدم تقارير دورية بشأن حماية حقوق الإنسان والأقليات الدينية، وتفعيل القوانين والسياسات التي تضمن ديمقراطية الحكم، وتحمي حقوق الأفراد وتحقق إنفاذ القانون، وتنفيذ إصلاحات تحمي حرية التعبير والتجمهر والتظاهر السلمي، وحماية منظمات المجتمع المدني والإعلام».طبقا لذلك النص فإن الإدارة الأمريكية أعربت عن رضاها، على مجمل السياسات التي تتبعها الحكومة المصرية، لكن ملف حقوق الإنسان كان من الصعب تمريره دائما، لذلك حجب مبلغ الـ١٥٠ مليون دولار. وكان الجديد هذه المرة أن الإدارة الأمريكية أسقطت ذلك الشرط. وطلبت اعتماد المبلغ الموقوف لتحقيق الإصلاحات والنمو الاقتصادي وتحسين الصحة والتعليم والمؤسسات الديمقراطية. واعتبرت أن إعفاء مصر من الشرط في صالح الأمن القومي الأمريكي.تستحق الشروط الأمريكية التي تم الوفاء بها أن نتوقف عندها ونحاول تحريرها بندا بندا، ذلك أنها ترد بقوة وحسم على الذين يشككون في موقف الإدارة الأمريكية التي يجرى الغمز فيه بين الحين والآخر، بدعوى عدائها للنظام القائم وتآمرها مع الإخوان على مناهضة النظام. وهى الادعاءات التي ثبت أنها مجرد فرقعات إعلامية أطلقتها أجهزة التوجيه المعنوي للإيحاء بوجود صراعات تخوضها القيادة المصرية ضد القوى الكبرى. ورغم أهمية ذلك الجانب إلا أنني مهتم في اللحظة الراهنة بدلالة إسقاط احترام حقوق الإنسان من بين شروط تقديم المعونة إلى مصر. خصوصا أن ذلك حاصل في توقيت أصبحت قضية حقوق الإنسان في مصر محل لغط واتهام من جانب الإعلام العالمي بعد حادث تعذيب وقتل الباحث الإيطالي جيوليو ريجيني. وهو الحادث الذي أضاف فصلا جديدا إلى سجل انتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت أحد العناوين المدرجة ضمن هموم المصريين ومعاناتهم.وإذ لا أؤيد قيام أي دولة خارجية بمعاقبة مصر لأي سبب، وأتمنى أن يتولى المصريون وحدهم محاسبة حكومتهم على مواقفها وما تمارسه أجهزتها من انتهاكات، إلا أن دلالة خطوة الإدارة الأمريكية تستحق وقفة من جانبنا. ذلك أن غض أبصارها عن الانتهاكات الحاصلة في مصر يفسر بأحد احتمالات ثلاثة. الأول أن تكون واشنطن قد فقدت الأمل في إمكانية وقف تلك الانتهاكات فقررت أن تتجاوزها باعتباره أمرا ميؤسا من إصلاحه. الثاني أن الإدارة الأمريكية لم تكن جادة في اشتراطها ضرورة احترام حقوق الإنسان في مصر، وإنما وضعت ذلك الشرط من باب التجمل وادعاء الفضيلة. الثالث أن واشنطن معنية بمصالحها ومصالح إسرائيل بالدرجة الأولى. ولا يهمها من قليل أو كثير أن تحترم حقوق الإنسان أو تنتهك في مصر أو أي بلد آخر، وطالما أن المصالح متحققة والعلاقات الاستراتيجية على ما يرام والالتزام بمعاهدة السلام ماض ومستقر، فكل ما عدا ذلك أقل أهمية ولا يستحق الاكتراث به.إن إسقاط الشرط المذكور واعتماد مبلغ الـ١٥٠ مليون دولار قد تكون خبرا سارا للحكومة المصرية التي تواجه أزمة في توفير العملات الصعبة. إلا أنه يظل في جوهره شهادة تدين سياسة الحكومة ولا تصب في صالحها ــ ذلك أن أحدا في مصر لا يستطيع أن يدعى بأن الإدارة الأمريكية أسقطت الشرط لأن الظاهرة اختفت ولم تعد في مصر انتهاكات، استثنى من ذلك المتحدثين باسم الداخلية ورئيس المجلس الحكومي لحقوق الإنسان الذي صرح أخيرا بأنه ليس في مصر تعذيب ممنهج وأن حملة الاختفاء القسري هدفها تشويه مصر في الخارج ــ وهو ادعاء لم يعد يصدقه الأجانب وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي أنه صار محل استهجان وتندر من جانب المصريين.