16 سبتمبر 2025

تسجيل

ثلاثة أوجه للسلطة

20 نوفمبر 2016

في ذلك الصباح أطلت علينا السلطة المصرية بثلاثة أوجه. إذ أبرزت الصحيفة في عنوان رئيسي بالصفحة الأولى خبر صدور قرار العفو عن ٨٢ سجينا، مع وعد بالعفو عن آخرين في وقت لاحق. كان الخبر الذي انتظره كثيرون مفرحا. رغم أن الرقم بمثابة، نقطة في بحر المظاليم، ورغم الحيرة التي انتابتنا جراء المعايير التي بناء عليها أطلق سراح أناس في بعض القضايا وجرى الإبقاء على آخرين سجنوا على ذمة القضايا ذاتها. ذلك أن ظهور كلمة «العفو» كان أمرا مثيرا للانتباه في قاموس الخطاب السائد، الذي شاعت فيه خلال الحقبة الأخيرة مفردات القمع والتصفية والثأر ومترادفاتها. لذلك لا أخفي أنني رأيت في الخبر وجها للسلطة لاحت فيه بعض سمات التصالح والتسامح، الأمر الذي يشيع قدرا من التفاؤل المنعش.هذا الشعور لم يلبث أن تراجع حين وقع البصر على خبر آخر تحت العنوان التالي: "النيابة تستعجل تقرير الطب الشرعي لقتيل الأميرية"، وفى ثنايا الخبر أطل علينا وجه آخر للسلطة اتسم بالقسوة المفرطة. إذ نقرأ فيه أن مواطنا اسمه مجدي مكين دخل في مشادة كلامية مع ضابط شرطة بإحدى ضواحى القاهرة، فاستكثر الأخير رده عليه. وكانت تلك بداية احتجازه وتعذيبه بصورة وحشية أدت إلى مقتله. وتلك رواية الأسرة التي نفتها وزارة الداخلية. إلا أن أفراد الأسرة كانوا قد التقطوا صورا للجثة أظهرت بشاعة التعذيب الذي تعرض له الضحية، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أحداثا مماثلة تابعناها قبل أشهر معدودة، كان لها صداها داخل مصر وخارجها. كان القتيل قبطيا، الأمر الذي أضاف بعدا للصدمة كان شديد الوقع في أوساط الأقباط، الذين عبروا عن غضبهم من خلال تعليقات أخرى بعضها انتقد صمت الأقباط أعضاء مجلس النواب وسجل أن طلب الإحاطة الوحيد الذى طلب مساءلة وزير الداخلية كان للنائب المسلم هيثم الحريري.أما دلالة الحدث -إذا ثبتت أقوال الأسرة والشهود- فتتمثل في أن الاستباحة التي تمارسها الداخلية لا تستثني أحدا وأن المواطن المصري البسيط بصرف النظر عن هويته لا قيمة له ولا كرامة في حسابات بعض رجال الشرطة.تحت قصة قتيل الداخلية تقرير آخر مثير حول أزمة سجن برج العرب، القريب من الإسكندرية الذي تعالت الأصوات منددة بجملة التعذيب والتنكيل التي تعرض لها نزلاؤه من المسجونين السياسيين. وهؤلاء قدر عددهم بالمئات، وقد رأى ذووهم أثناء الزيارات آثار الضرب الذي تعرضوا له طوال أربعة أيام. ونقل التقرير المنشور على ألسنة الأهالي تفصيلات كثيرة عن مشاهداتهم وشهادات المسجونين الذين حرموا من الدواء وسحبت منهم متعلقاتهم، وتعرض بعضهم للاختناق بسبب إطلاق قنابل الغاز عليهم. وهو ما دفع الأهالي والمحامين إلى تقديم بلاغات ضد إدارة السجن لنيابة غرب الإسكندرية. في حين تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء الضباط ومساعديهم المسئولين عن السجن. وعاقبت الإدارة الأهالي بمنعهم من زيارة ذويهم، أو باختصار مدة الزيارة من ساعة إلى خمس أو عشر دقائق فقط. وإمعانا في التنكيل بالأهالي تم ترحيل مئات المسجونين إلى سجون أخرى في مناطق نائية. وكانت النتيجة أننا رأينا في التقرير وجها ثالثا سمته الفظاظة والقسوة.بقي أن أذكر أن الأوجه الثلاثة للسماحة والاستباحة والتنكيل طالعتها في ثلاثة تقارير نشرتها صحيفة «المصري اليوم» على الصفحة الأولى لعدد الجمعة ١٨/١١، الأمر الذي أثار في ذهني السؤال التالي: أى هذه الصور يمثل الأصل والحقيقة وأيها يعبر عن الادعاء والاستثناء؟