15 سبتمبر 2025

تسجيل

فصل في الاستباحة

20 أغسطس 2016

تناقلت وسائل الإعلام أن أحد المحامين قدم بلاغا إلى النائب العام المصري اتهم فيه كلا من الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح والسيد حمدين صباحي بالتخابر مع حزب الله أثناء وجودهما في بيروت أخيرا. وفي البلاغ أن حزب الله منظمة إرهابية (طبقا لقرار الجامعة العربية) الأمر الذي يضع من يتواصل معه تحت طائلة القانون، بحسبانه تخابرا مع منظمة إرهابية. لا أعرف مصير البلاغ، وهل سيحفظه النائب العام أم سيأخذه على محمل الجد ويأمر بفتح التحقيق فيه. لكني أعرف أنه ليس الأول من نوعه، ولكن ثمة «سوابق» تطوع فيها نفر من المواطنين الذين أصبحوا يصنفون ضمن الشرفاء ــ تشجيعا لهم ــ باتهام الدكتور أبوالفتوح أو غيره من النشطاء إما بدعم الإرهاب أو بالتخابر مع جهات أجنبية متهمة. وليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كانت مثل تلك البلاغات تقدم بوحي وتوجيه من جهات أخرى في الدولة، أما أنه تطوع من جانب أولئك «الشرفاء» (أكثرهم من المحامين) له دوافع معينة، في المقدمة منها الذيوع والشهرة. إذ المعروف أن بعض وسائل الإعلام تحتفي بمثل تلك الأخبار لأسباب مفهومة. فضلا عن أن من شأن ذلك تعرف الآخرين على المحامي «الشريف» مقدم الطلب وتكون تلك بداية الترويج للمكتب وصاحبه. ليس عندي دفاع عن حزب الله، الذي يحسب له شجاعته في تحدي إسرائيل وإفشال مخططها في لبنان. ويحسب عليه بذات القدر اصطفافه إلى جانب الرئيس بشار الأسد في مقاومة ثورة الشعب السوري ومن ثم الاشتراك في قتل السوريين. وهو ما بدد رصيد الحزب وأساء إليه إساءة بالغة. لكن لدى كلمتين في الموضوع إحداهما تتعلق بالواقعة والثانية بصداها. خلاصة الأولى أن الدكتور أبوالفتوح وصاحبه ومعهما السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق. دعوا إلى المشاركة في المؤتمر السنوي الذي عقد في بيروت بالتنسيق بين المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي. وهو بالمناسبة المؤتمر السابع الذي جرى تنظيمه لمساندة المقاومة والحفاوة بها. إذ سبق له أن عقد دورة لتحية المقاومة اللبنانية وأخرى للمقاومة العراقية وثالثة للمقاومة الفلسطينية، وهكذا. وفي حفل الافتتاح جلس الضيوف الثلاثة على المنصة وإلى جوارهم الأمينان العامان للمؤتمرين السابق ذكرهما. وألقى كل واحد من الضيوف كلمته ثم إنصرف إلى حال سبيله. فمنهم من شارك في بقية الجلسات ومنهم من قضى يومين أو ثلاثة في بيروت. ومنهم من عاد إلى بلده وكان الدكتور أبوالفتوح من الأخيرين. لم أجد غضاضة في أن يجتمع حمدين صباحي مع ممثلين لحزب الله. الذي له شرعيته في لبنان وله مشاركته في مجلس النواب والحكومة. ولا أظن أن ذلك يمكن أن يثير حفيظة أحد باستثناء جهتين هما «الأمنجية» الذين يعتبرون أن الأصل في كل من لا ترضى عنه السلطة أن يظل متهما حتى يثبت العكس. ولا أظن أن حمدين صباحي من هؤلاء، بقدر ما أنني لا أشك في أنه ينطبق على الدكتور أبوالفتوح. الطرف الآخر هم المتصيدون الذين يتحينون كل فرصة لتجريح المعارضين. سواء لإثبات انخراطهم ضمن زمن زمرة «شرفاء» آخر الزمان. أو للدعاية لأنفسهم ونشر أخبارهم في وسائل الإعلام المختلفة. الكلمة الثانية التي تتصل بأصداء الواقعة (سواء حدثت أم لا) في أوساط أمثال أولئك «الشرفاء» الذين هم ركاب كل موجة وطليعة كل زفة. وللعلم فقط فإنهم يتوزعون على مهن عدة. ووفرتهم مشهودة في المحيط الإعلامي، حيث تخصص نفر منهم في تقديم البلاغات ضد زملائهم، ولا ينبئك في ذلك مثل خبير. المسألة ليست في بلاغات كيدية يقدمها هؤلاء، وإنما الذي لا يقل خطورة عن ذلك أن التهم التي يرددونها بجرأة مشهودة ابتذلت مصطلحات مثل التخابر والخيانة والعمالة وإسقاط النظام والإساءة إلى الجيش والشرطة.. إلى غير ذلك من صياغات التكفير السياسي والاغتيال المعنوي والإبادة الثقافية. هذه التهم شاعت في وسائل الإعلام وابتذلت بحيث لم تعد تؤخذ على محمل الجد رغم أنها مما يمكن أن يعد تشهيرا يعاقب عليه القانون. ولكن أجواء استباحة الآخر أصبحت تتسامح مع تلك المقولات على جسامتها. وفي إحدى المرات النادرة فإن الدكتور عبد المنعم أبوالفنوح رفع قضية ضد إحدى الصحف القومية الكبرى لنشرها مقالة حفلت بالافتراءات المماثلة التي كان من بينها اتهامه بـ«الإرهاب» وحين نظرت القضية فإن القاضى لم يجد مفرا من إدانة موقف الجريدة وتغريمها، ?? ألف جنيه تعويضا للدكتور أبوالفتوح الذي استهدفه التشهير. ما أصاب رئيس حزب «مصر القوية» يظل قطرة في بحر الاستباحة الكبير، الذي مارست فيه وسائل الإعلام مختلف صور التنكيل والاغتيال الذي استهدف المسجونين ممن ليس بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم، خصوصا أنهم يتعرضون لتنكيل أكبر داخل السجون. أشهر هؤلاء الدكتور محمد مرسي ــ الرئيس الأسبق ــ الذي برأته محكمة جنايات القاهرة من تهمة «التخابر» مع قطر في ?? يونيو الماضي. ومع ذلك فإن كتابات «الشرفاء» مصرّة على وصفه بالرئيس الخائن. نخطئ إذا فصلنا أطروحات استباحة الآخر في البلاغات الكيدية والكتابات الصحفية عن مجمل الريح السياسية التي تكرس استباحة الآخر بمفهومها الواسع، الذي نجد نموذجا له لحالته القصوى في سجني العزولى والعقرب، وفي غير ذلك مما نعرف أو لا نعرف من سجون ومعتقلات. وتلك خلفية تسوغ لنا أن نقول إن اتهام اثنين من السياسيين بالتخابر هو عرض متواضع لمرض جسيم بلغ حالته المتأخرة. لذلك لا ينبغي أن يصرفنا العرض عن كارثة المرض.