في آن الضحايا سواء

ماذا لو اجتمع عشرون أو أكثر من أفراد أسر الشهداء (المجندين) وكونوا كتيبة للثأر طاردت بغير معرفة من ينتمي إلى الجماعة (الإخوان) وأذاقت أهاليهم نار الفراق؟.. العدالة الإنسانية تعطينا الحق في أن نعاملهم بنفس معاملتهم. هم يقتلون أبناءنا المجندين لمجرد أنهم يرتدون الملابس العسكرية. فلماذا لا نقوم نحن أهل الشهداء الضحايا بالثأر لأحبابنا بقتل أي إخواني لمجرد أنه إخواني. النص أعلاه ورد في الزاوية اليومية التي تنشرها جريدة الأهرام للأستاذ صلاح منتصر (عدد 17/3) التي كان عنوانها: «للصبر حدود أيها الإرهاب». ولم يكن هذا كلام الكاتب الكبير، ولكنه نقله على لسان أب لأحد الشهداء اتصل به هاتفيا وعبر له عن انفعاله الذي كانت العبارات التي أوردتها جزءا منه. من النص المنشور بدا الأستاذ منتصر متعاطفا مع الرجل إلا أنه لم يوافقه على الرأي الذي أبداه وتحدث فيه عن فكرة كتيبة الثأر، حيث اعتبرها بابا لإلغاء دور الدولة وقوانينها. وفهمنا من الكلام المنشور والعنوان الذي تخيره أنه أراد أن ينبه ويحذر من مغبة غضب أهالي الضحايا. الموضوع الذي أثاره الكاتب الكبير مهم، والموقف الذي تبناه سليم سواء في دفاعه عن دولة القانون، أو في تحذيره من نفاد صبر أهالي الضحايا. لكني وجدت أن في الرسالة ثغرة ما كان ينبغي أن تغيب عن دارس للقانون مثله، كما أن له بقية يقتضي الإنصاف الإشارة إليها وعدم إغفالها. أما الثغرة فتتعلق بهوية الفاعلين. وهي الهوية التي تحددت دعائيا وإعلاميا ولم تؤيدها التحقيقات أو التحريات ولا القرائن المتوافرة. ذلك أن نسبة الجريمة إلى الإخوان جاءت في ثنايا تصريح متعجل تورط فيه المتحدث العسكري بعد دقائق معدودة من وقوع الحادث. دون انتظار لنتائج التحريات والتحقيقات. حتى بدا وكأنه وجه خطابا سياسيا وليس بيانا معلوماتيا. ورغم أن التفاصيل التي أعلنت كانت دالة على أنها من نماذج عمليات جماعة أنصار بيت المقدس، وهو ما يستطيع أن يدركه أى باحث بسيط مهتم بالموضوع. إلا أن خطاب المتحدث العسكري وجه الأنظار إلى اتجاه مغاير تماما، وهو ما صححه أنصار بيت المقدس في بيان أعلنوا فيه مسؤوليتهم عن الحادث في وقت لاحق. خطورة هذه الثغرة لا تكمن فقط في أن تسرع المتحدث العسكري كان خطأ مهنيا ومعلوماتيا، ولكنها تتمثل أيضا في تضليل الرأي العام وتشويه إدراكه، وهو ما تبدى في رسالة والد الشهيد التي ذكر فيها أن ما جرى يسوغ لأهالي الضحايا أن يقتلوا أي إخواني لمجرد أنه إخواني حتى وإن كان بريئا. الشق الذي غاب عن الحديث والتكملة التي تمنيتها في رسالة الأستاذ صلاح منتصر، تخص الأعداد الكبيرة من القتلى الذين سقطوا بعد الثورة. وهؤلاء عددهم يصل إلى خمسة آلاف شخص لم يحاسب أحد على قتلهم حتى الآن. ومن هؤلاء 3248 من المدنيين والعسكريين قتلوا خلال الأشهر الثمانية الماضية (منذ الثالث من يوليو 2013). وهذه أرقام أوردتها الجهات الحقوقية المستقلة (ويكي ثورة مثلا). وأسماؤهم وبياناتهم وأماكن قتلهم وتواريخها موجودة على الإنترنت. وإذ يصدمنا ذلك العدد الكبير من القتلى ــ العسكريون منهم والمدنيون ــ إلا أن العسكريين منهم كانوا أفضل حالا من المدنيين. على الأقل من حيث إنهم ذكروا على الملأ واعتبروا شهداء. واعتنت بهم الدولة حين صرفت لأهاليهم معاشات استثنائية وأقامت لهم جنازات عسكرية. إلا أن الآخرين من المدنيين لم يأت أحد لهم على ذكر رغم أن عددهم نحو ثلاثة آلاف شخص. وهؤلاء لهم أهالي لا يستغرب منهم أن يفكروا بدورهم في الثأر والانتقام، تماما مثلما فكر الوالد المكلوم الذي قتل ابنه المجند ونشر الأستاذ منتصر رسالته. المؤسف أن ذلك العدد الكبير من الضحايا بات محظورا في وسائل الإعلام المصرية. بل وباتت الإشارة إليهم ذريعة للاتهام بالأخونة والتشجيع على الإرهاب. ولولا جهود بعض الحقوقيين المصريين الشرفاء الذين دافعوا عن إنسانية الضحايا بصرف النظر عن أيديولوجياتهم لدفنت أعدادهم مع جثثهم وأشلائهم. هاجس الانتقام والثأر الذي يساور أهالي الضحايا ليس افتراضا نظريا وليس احتمالا بعيدا. إذ عرفت منطقة القوقاز في روسيا الاتحادية نموذجا جسد الفكرة. عندما سحق الجيش الروسي تمرد مسلمي الشيشان ونزوعهم إلى الاستقلال في تسعينيات القرن الماضي، وارتكب جنود الجيش فظائع راح ضحيتها آلاف الشيشانيين. وكانت النتيجة أن زوجات الضحايا تحولن إلى قنابل موقوتة، فشكلن مجموعات انتحارية للانتقام من الروس عرفت باسم «الأرامل السود»، لأنهن يرتدين الثياب السوداء حدادا وحزنا على الراحلين. ومنذ عام 2000 وحتى الآن قامت مجموعات الأرامل الانتحاريات بنحو 26 عملية أودت بحياة عشرات الروس. وقد وقعت أحدثها في آخر شهر ديسمبر من العام الماضي حين فجرت إحداهن نفسها في محطة فولجوجراد للسكة الحديد، وأدت إلى مقتل 16 روسيا. لا سبيل إلى تجنب ذلك الكابوس إلا بإعمال القانون وتحقيق القصاص من خلال العدل الذي لا يميز بين قتيل وقتيل، وينحاز إلى الحق الذي ينصف كل مظلوم وإلى كرامة الإنسان أيا ما كانت هويته. إلى غير ذلك من البديهيات التي غيبتها أجواء الكراهية وحدة الاستقطاب، ولذلك وجب تذكير الجميع بها ومنهم الزميل المحترم.