17 سبتمبر 2025
تسجيللا أخفي شعورا بالارتياح حين أجد أن الرعب والارتباك خيَّما على الإسرائيليين في حيفا وجفعتايم. ذلك أنني أستحضر الدم الفلسطيني الذي ينزف طول الوقت حين أقرأ أن كل إسرائيلي أصبح يشك في أنه يمكن أن يتعرض للطعن في أي لحظة، حتى غدت رؤية وجه العربي مثيرة لذلك الرعب. وهو ما عبر عنه تقرير منشور ذكر أن ذلك وضع اليهود اليمينيين في موقف محرج، فابتدعوا وسائل عدة لإبعاد الشك عنهم. فمنهم من صار يعتمر القلنسوة اليهودية رغم عدم تدينه. ومنهم من صار يرتدي قميصا كتب عليه «لا تنفعل أنا يميني». وبسبب ذلك الرعب تم إغلاق بعض الطرق الرئيسية وأوقفت حركة أحد القطارات أثناء سفره بعدما صرخ أحد الركاب مرددا كلمة «مخِّرب»، إذ إنه ما إن نطق الرجل بالكلمة حتى ساد الهرج وبدأ الركاب يقفزون من القطار فور توقفه. ووصل إلى المستشفى عشرات الأشخاص الذين استسلموا للذعر أو أصيبوا بكدمات جراء القفز، وصرخت مجندات، فقام ضابط بإطلاق النار في الهواء.حدث ذلك في حين ظلت أخبار الطعن المستمر منذ أسبوعين هي الشاغل الأكبر والأوحد للإسرائيليين، رغم البيانات الرسمية التي حاولت طمأنة الرأي العام وإقناع الإسرائيليين بأن الجيش قام بتأمين الطرق من خلال انتشار واسع النطاق. وفي التعقيب على ذلك قال المعلق العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هارئيل إن الجيش لم يقدم أي تقرير بشأن مدى استمرار الأحداث، مكتفيا بالإشارة إلى الوضع مختلف من الأساس ويمكن أن يستمر لفترة زمنية لا بأس بها.ما سبق كان تلخيصا لتقرير نشرته جريدة «رأي اليوم» الإلكترونية (الجمعة ١٦/١٠) لمراسلها في الناصرة زهير أندراوس، تحدث فيه عن الرعب الذي اجتاح إسرائيل بسبب تعدد حالات الطعن التي شاعت دون أن تنسب إلى جهة بذاتها. ذلك أنها تحولت إلى قرار فردي يصدره أي فلسطيني ممن يعيشون داخل إسرائيل، رغم كل القيود المفروضة عليهم. وبسبب الرعب الذي ساد والفشل الأمني في وقفه، فإن ثقة الجمهور في حكومة نتنياهو تدهورت، إذ أشار استطلاع أجراه المركز الإسرائيلي للديمقراطية وجامعة تل أبيب إلى أن أغلب الإسرائيليين أعطوا درجة «راسب» للحكومة في إدارة الأمن بالقدس. وتوقع ٤١٪ منهم نشوب انتفاضة فلسطينية كبيرة خلال عام، إذا بقيت العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حالها الراهن. وبسبب تراجع الثقة في الحكومة فإن أغلبية الإسرائيليين اعتبروا أن أفيجدور ليبرمان السياسي الأكثر تشددا أصبح وزيرهم المفضل للتعامل مع الملف الأمني.لديَّ عدة ملاحظات على مشهد الرعب الذي انتشر في الداخل الإسرائيلي وجعل ٥٠٪ من التلاميذ يبقون في بيوتهم ويحجمون عن الذهاب إلى المدارس. تتلخص هذه الملاحظات فيما يلي:• صحيح أن طعن أي بريء في أي مكان بالكرة الأرضية ينبغي أن يثير مشاعر الاستنكار والاشمئزاز لدى أي مواطن، إلا أن الجرائم الإسرائيلية التي تمارس في ظل الاحتلال وبرعاية السلطة لها وضع مختلف تماما، إذ هي التي تستحق الاستنكار وتستجلب الاشمئزاز. وهو ما يشمل أركان السلطة ومؤيديها والمصوِّتين لها. في الوقت ذاته فإن انفجار غضب الفلسطينيين يطمئننا إلى استمرارهم في الدفاع عن حقوقهم، وإلى أنهم لن يهدأ لهم بال طالما ظلت بلادهم مغتصبة وشعبهم مشردا.• أن الجدار الإسرائيلي الذي أقيم لكي يحجب الخوف عن الإسرائيليين فشل في أداء وظيفته، ومثل ذلك أيضا يقال بحق الجدران الأسمنتية التي يراد بها تقييد حركة فلسطينيي الداخل وعزلهم، إذ لم تعد المشكلة في وجود أو ارتفاع الجدران التي تقيمها إسرائيل للاحتماء وراءها من العرب، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في استمرار الظلم الذي سيظل مصدرا دائما لإشاعة الخوف والرعب.• أن الحديث عن التهدئة في هذه الأجواء يؤجل الطعن ولا يوقفه، صحيح أن حركتي حماس وفتح نفتا علاقتهما بما يحدث في القدس، حتى لا تستهدفهما إسرائيل متذرعة به، إلا أنني أزعم أن ما ذكره بهذا الخصوص أليكس فيشمان المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت وحديثه عن ضغوط لمصر والأردن في ذلك الاتجاه ليس الموقف الأصوب والأحكم، بل هو في صالح إسرائيل بالدرجة الأولى، على الأقل لأن تهدئة الفلسطينيين إذا تمت فإنها ستنزع فتيل الخوف والترويع من الداخل الإسرائيلي، في حين سيظل موقف الحكومة المتعنت والمناور كما هو، ولا مصلحة للفلسطينيين أو العرب في ذلك. لهذا السبب فإن الضغوط العربية يجب أن توجه إلى إسرائيل، وأن يكون الحد الأدنى لأهدافها في الوقت الراهن هو وقف مخططات تقسيم المسجد الأقصى وتهويد المدينة. مع التحذير من أنه ما لم يتحقق ذلك فإن الغضب الفلسطيني سيظل مبررا وسيظل وقف الطعن أو القصف بالحجارة متعذرا.إننا إذا استخدمنا مصطلحات المرحلة فينبغي أن نضم الشباب الذين يتولون طعن المستوطنين إلى قائمة الأطراف المتحالفة للحرب على الإرهاب، باعتبار أن أولئك المستوطنين يمثلون النسخة الإسرائيلية من داعش التي ألقى الآباء المؤسسون بذورها الخبيثة قبل أكثر من مائة عام.