17 سبتمبر 2025

تسجيل

اختيار جانبه التوفيق

18 يوليو 2015

ظل شيخ الأزهر طوال أغلب أيام شهر رمضان يفند أفكار ودعاوى الشيعة الاثنى عشرية، لكنه في الأسبوع الأخير استخدم خطابا وفاقيا دعا فيه إلى التفاهم الهادئ، الذي ينزع أسباب الفتنة ويفوت الفرصة على الساعين إلى تفتيت الأمة. وهو ما لاحظه البعض وانتقده البعض الآخر، وذهبت جريدة «التحرير» إلى ما هو أبعد فنشرت تقريرا عن الموضوع على صفحتها الأولى يوم الثلاثاء ١٤ يوليو كان عنوانه كالتالي: هدنة مفاجئة لحرب الطيب على الشيعة ــ شيخ الأزهر مدافعا عن برنامجه الرمضاني: قصدت التفاهم لا الفرقة.لأنني لم أتابع أحاديث الدكتور أحمد الطيب فقد رجعت إلى بعض الثقات الذين استمعوا إلى تلك الأحاديث المذاعة ووجدت أن ثمة تواترا فيما نشرته الصحف المصرية الصادرة يوم الثلاثاء الماضي حول الموضوع، ومما فهمته أن شيخ الأزهر انتقد الأفكار الأساسية الرائجة في أوساط الشيعة هذه الأيام، واعتمد في تصويبه لتلك الأفكار على كتابات بعض الأصوات العاقلة من المنتمين للمذهب، خصوصا كتابات كل من المرجع الديني اللبناني السيد علي الأمين، والباحث العراقي أحمد الكاتب. قيل لي أيضا إن شيخ الأزهر في الحلقات الأخيرة من أحاديثه دعا إلى أهمية استمرار التواصل مع علماء الشيعة لتوسيع دائرة التفاهم ورأب التصدعات التي تثير الفرقة وتقسم الصف الإسلامي.عندي أربع ملاحظات على ما قاله شيخ الأزهر بخصوص الموضوع خلال شهر رمضان، هي: < إنني إذ أقدر اللغة العاقلة والهادئة التي تحدث بها، إلا أنني أزعم أن اختياره للموضوع جانبه التوفيق، ذلك أنني تمنيت أن يكون محور الخطاب في شهر الصيام الذي يؤدي فيه المسلمون الشعيرة في وقت واحد بكل أصقاع الأرض هو مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه، أو معاناة المسلمين وعذاباتهم التي تتطلب تضافرا وغوثا، أو المسجد الأقصى الذي تتهدده المخاطر في كل صوب، حيث يصر المتطرفون الإسرائيليون على اقتحامه والعبث فيه، في حين تستمر الحفائر تحته بذرائع عدة الأمر الذي يهدد أساسه ــ أعني تمنيت أن يوجه خطابه وهو شيخ الإسلام إلى شأن يهم عموم المسلمين لا أن يختص فئة أو مذهب منهم بمدح أو قدح.< إن مناقشة أفكار المذاهب وتفنيدها مكانها مجالس العلم وحلقات البحث وليس وسائل الإعلام وبرامج التلفزيون، والتعرض لهذه الأمور في مخاطبة عامة الناس فيه من الضرر أكثر مما فيه من النفع، ذلك أن المواطن الشيعي العادي ليس مشغولا بقضية الإمامة أو الغيبة الصغرى والكبرى، لكنه انتسب إلى المذهب في الأغلب لأنه نشأ في بيئة شيعية، وحين يسمع انتقادا لهذه الأمور وغيرها فإنه يستشيط غضبا ويزداد تعصبا، ويعتبر أن ذلك هجوما على عقائده وتهديدا لكينونته، والمواطن العادى من أهل السنة يمكن أن يعبأ ضد الشيعة، ويصبح مهيأ للابتعاد عنهم والحذر والتخوف منهم، هذا إذا لم يصنفهم ضمن الخارجين على الملة، وللوهابيين كلام كثير في مخاصمة الشيعة والحط من أقدارهم باعتبارهم روافض في رأي، وكفار وأدنى مرتبة من اليهود في رأي آخر. ولعلنا لسنا بحاجة لأن نستعرض الثمن الباهظ، الذي دفعته أمتنا جراء ذلك الصراع العبثي والمجنون، الذي عانت منه الكويت أخيرا، وذاقت مصر بعض مراراته، أما معاناة العراق ولبنان وباكستان منه فحدث فيها ولا حرج.< إن الخلافات بين الشيعة في حقيقتها سياسية بأكثر منها عقائدية، ذلك أن أهل السياسة من الجانبين إذا ما اتفقوا فيما بينهم فإن كل واحد يرى في الآخر مواضع الاتفاق، أما إذا اختلفوا فإن باب الشقاق ينفتح لاستدعاء المرارات والخصومات، في الحالة الأولى ترفع رايات التقريب وتبرز الفضائل. وفي الحالة الثانية تصبح المفاصلة سيدة الموقف، ولا يقف حديث الرذائل والشرور عند حد. لست أدعي أنه لا توجد خلافات بين الطرفين، لأنها موجودة بالفعل ولا سبيل إلى إنكارها. من ثَمَّ فإنني لا أدعو إلى تذويبها أو إلغائها، لكنني أتحدث عن حسن إدارتها والإفادة من بعضها في تحقيق مصالح الطرفين والدفاع عن أمة الإسلام وتحديات المسلمين. ولا ينبغي أن ننسى أننا في مصر، في أوقات الصفاء السياسي، قطعنا شوطا باتجاه التقريب بين المذاهب، واعتبرنا المذهب الجعفري مما يجوز التعبد به شرعا، (فتوى الشيخ محمود شلتوت)، وتقررت دراسته في الأزهر واستفدنا من بعض اجتهادات المذهب في قوانين الأحوال الشخصية. وفي تلك الأجواء تزوج شاه إيران من شقيقة ملك مصر.< الملاحظة الرابعة أنني ألمحت كثيرا إلى ضرورة التفرقة بين سياسة الدولة الإيرانية وبين تعاليم وعقائد المذهب الشيعي. واعتبرت أن الاشتباك مع السياسة أو حتى اختصامها وارد طول الوقت كما هو الحاصل الآن مثلا إزاء موقف طهران مما يجري في اليمن وفي سوريا. أما أن يسحب ذلك الخصام والاشتباك على اتباع المذهب فذلك مما ينبغي الحذر منه، لأنه يفتح الأبواب لحروب أهلية لا طائل من ورائها في حين أن قدرنا أن نعيش معا وأن نرتب حياتنا على هذا الأساس. علما بأن مثل هذه الخصومات لن ينتصر فيها أحد لأن الجميع سيخرجون فيها مهزومين، ناهيك عن أن أعداء الأمة لا يفرقون بين الشيعة والسنة، لكنهم يلعبون بهما معا، وطائراتهم تقصفهم معا ــ كل عام وأنتم بخير ووفاق.