15 سبتمبر 2025

تسجيل

في ملف عبـَّارة الموت

17 يوليو 2011

أصابع "العصابة" التي حكمت البلد كانت وراء كل فساد أو جريمة وقعتلأن بحر الأحزان عندنا بلا شطآن. فاعذرونا إذا أطل علينا كل يوم حزن جديد. وحزن عبارة الموت ليس جديدا كما يوحي بذلك ظاهر الكلمة، ولكنه خارج قائمة الأحزان المتداولة هذه الأيام. والتي تدور في فلك ضحايا الثورة، الذين يستحقون كل الاهتمام. فضلا عن الإجلال والاحترام. وليس هناك من قاسم مشترك يجمع بين ضحايا العبارة وضحايا الثورة سوى أنهم جميعا فقدوا حياتهم جراء جرائم النظام السابق. فالأولون قتلهم التواطؤ والفساد، والآخرون قتلهم المستبدون الصغار من أعوان المستبد الأكبر.ما دعاني إلى فتح ملف العبارة والانضمام إلى المطالبين بإعادة التحقيق في الجريمة التي راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن مصري خبر مثير وقعت عليه في صحيفة «روزاليوسف» (عدد 10/7) الخبر يقول إن رجل الأعمال ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الذي هرب إلى لندن وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات تقدم بطلب لشراء حصة الحكومة البريطانية في بنك «نورثون روك» مقابل 2.5 مليار يورو حتى تتغاضى بريطانيا عن تسليمه لمصر في إطار الحكم القضائي الصادر ضده. وحين قدم الطلب إلى وزير المالية البريطاني فإنه أشر عليه بعبارات كان من بينها أن حكومة بريطانيا ترفض قبول عرض إستراتيجي من متهم هارب إليها.ذكر الخبر المنشور أيضا أن الوزير جورج أوزبورن طلب إعادة فتح ملف ممدوح إسماعيل الذي اتضح من خلال عرضه أنه يمتلك أرصدة في لندن تتجاوز 10 مليارات يورو (!).الأغرب والأشد إثارة مما سبق أن ممدوح إسماعيل حين قدم أوراق ومستندات شراء حصة بنك «نورثون روك» فإنه طلب أن يكون الشراء لصالح ثلاثة أشخاص هم ممدوح إسماعيل نفسه ومعه آخران هما صفوت الشريف وزكريا عزمي. وإذا لاحظت أننا نتحدث عن صفقة بما يعادل 2.5 مليار يورو (اليورو يعادل 8.41 جنيه مصري) فإن ذلك يصور لك كم المبالغ التي أودعها أركان النظام السابق في الخارج. وطبقا لما ذكرته الصحيفة، فإن وزارة المالية البريطانية طلبت فتح التحقيق أيضا حول اختلاط أرصدة ممدوح إسماعيل بأرصدة كل من صفوت الشريف وزكريا عزمي.إذا صح هذا الكلام الخطير فإنه يثير مسألتين على الأقل. واحدة تتعلق بأرصدة أعوان الرئيس السابق المودعة في البنوك الأجنبية. ذلك أنه إذا كان اثنان منهم فقط اشتركا مع ثالث في صفقة واحدة بقيمة 2.5 مليار يورو. فلك أن تتصور حجم الأرصدة المنهوبة التي هربها هؤلاء بعد الثورة وقبلها، وكم الأرصدة الأخرى التي سارع بقية الأعوان إلى تهريبها وإخفائها في عواصم العالم.المسألة الثانية تتعلق بطبيعة العلاقة بين زكريا عزمي وممدوح إسماعيل، وكان اسم الأول قد تردد في الحديث عن تسهيل هروب الثاني إلى خارج مصر بعد غرق الباخرة، لكنه أنكر ذلك بشدة وقال إن العلاقة معه كانت عادية، لكن المعلومات التي أوردها الخبر (أكرر: إذا صحت) تدل على أن العلاقة بين الرجلين كانت غير عادية، الأمر الذي جعلهما يشتركان معا في شراء فندق بقيمة 2.5 مليار يورو، من ثَمَّ فإنها تقدم قرينة جديدة على وثوق العلاقة بينهما، كما تسلط الضوء على تواطؤ زكريا عزمي على الأقل في تيسير تهريب ممدوح إسماعيل إلى إنجلترا، وتلك فضيحة أخرى لنظام تولى حماية من قتل شعبه.إن الذين تابعوا القضية يعرفون أنه بعد غرق العبارة وموت الألف مصري فإن اتصالات خفية أجلت إدراج اسمه ضمن الممنوعين من السفر إلى الخارج. وهو الإجراء الذي كان ينبغي أن يتخذ فور وقوع الحادث. يعرفون أيضا أن النائب العام آنذاك لم يصدر قرار المنع إلا بعد نحو أربعين يوما من غرق السفينة، الأمر الذي وفر لممدوح إسماعيل فرصة ترتيب أمره والهرب خارج البلاد. وهذه معلومة يعرفها جيدا النائب العام الحالي الدكتور عبدالمجيد محمود. الذي كان وقتذاك أحد مساعدي النائب العام. أكثر من ذلك، فإن رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت الدكتور فتحي سرور. حاول التلاعب في تقرير لجنة تقصي حقائق كارثة العبارة وماطل في استلام التقرير، وهي واقعة يشهد عليها النائب حمدي الطحان الذي رأس اللجنة وأصر على عدم تغيير أي شيء في تقريرها.إن أصابع «العصابة» التي حكمت البلد طيلة الثلاثين سنة الماضية كانت وراء كل فساد أو جريمة وقعت، ومن العدل أن يحاسب هؤلاء على ما اقترفوه. والحساب في الحالة التي نحن بصددها ليس فقط عقابا لهم ولكن وفاء بحق ضحايا العبارة الذين قتلوا مرتين. مرة حين حشروا في سفينة خربة ومخالفة لشروط السلامة غرقت بهم، ومرة حين لم ينصفهم أحد بعد مماتهم.