18 سبتمبر 2025
تسجيللا أعرف كيف قرأت مصر الرسمية إعلان وزير الخارجية السعودي أن بلاده وجهت الدعوة إلى وزير خارجية إيران لزيارة الرياض لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية. لكنني أزعم أن ذلك الإعلان يعبر عن تطور مهم في السياسة الخارجية السعودية، قد يكون له تأثيره في خرائط العالم العربي وتوازنات المنطقة. نلاحظ في هذا الصدد أن الإعلان ورد في ثنايا الكلمة التي ألقاها الأمير سعود الفيصل في افتتاح الدورة الأولى لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان. ورمزية عقد المنتدى (العربي وليس الخليجي) في الرياض وتوجهه إلى آسيا الوسطى لها دلالتها في طبيعة الدور الذي تتطلع المملكة للقيام به في دول المحيط. ثم إننا لا نستطيع أن نتجاهل أن الخطوة تمت في أعقاب تطورات داخلية مهمة شهدها البيت السعودي، وأدت إلى إحداث تغييرات في المواقع القيادية التي شملت قطاعات الأمن الخارجي والسياسة الداخلية. كما أننا لا نستطيع أيضاً أن نتجاهل أن السعودية ظلت طوال السنوات التي خلت تقود المحور المناوئ لإيران في العالم العربي. ولئن بدا الأمر مفاجئا لنا إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لأطرافه، فثمة تسريبات تحدثت عن دور للكويت في مد الجسور بين الطرفين استمر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وهي الفترة التي استقبلت فيها طهران سفيرا سعوديا جديدا، تناقلت الصحف ووكالات الأنباء نبأ اجتماعه مع الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرتبط بعلاقة خاصة مع الملك عبدالله، كما تناقلت صورة السفير وهو يقبل رأس رفسنجاني في تعبير عن مشاعر المودة المتجددة. وقد أبرزت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تصريحات رفسنجاني وكذلك تعليق المتحدث باسم الحكومة الذي ركز على أهمية العلاقة بين طهران والرياض، في إشارة ضمنية إلى ما تمثله الأولى عند الشيعة وما تمثله الثانية في عالم أهل السنة. وفي رصد الخلفيات ليس بمقدورنا في الوقت الراهن أن نقدر ما إذا كان التقارب السعودي مع إيران يفتح الباب لاستقطاب في المنطقة يواجه التقارب أو التحالف القطري التركي، إلا أننا لا نستطيع أن نستبعد تماما هذا العامل ونخرجه من المعادلة. بوسعنا أن نقول أيضا إن مد الجسور بين الرياض وطهران ما كان له أن يلوح في الأفق إلا بعد اطمئنان السعودية إلى أن التفاهات بين الولايات وإيران التي جرت في سلطنة عمان العام الماضي لن تكون على حساب منطقة الخليج. وأغلب الظن أن هذه الرسالة تلقتها الرياض أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للرياض التي تمت في شهر مارس الماضي، وأكدتها زيارات المسؤولين الأمريكيين الآخرين الذين كان في مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع.إذا كانت تلك العوامل كامنة في خلفية المشهد فإنني أزعم أن ملفات ثلاثة ستكون حاضرة في لقاء الأمير سعود الفيصل مع السيد محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران. الأول: ملف العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران. الثاني: يخص علاقات إيران بمنطقة الخليج. الثالث: هو الأكثر تعقيدا، لأنه يتعلق بالدور الإيراني في سوريا ولبنان والعراق والبحرين وهي الدول التي تحتفظ طهران بنفوذ قوي فيها، في حين أنها تحتل أهمية خاصة في الدبلوماسية السعودية، وتعتبرها المملكة وثيقة الصلة بأمنها القومي. ويبدو أن الملف الأخير كان المحرك الأساسي للدعوة التي وجهتها السعودية لوزير خارجية إيران. ذلك أن التفاهم مع إيران بات ضروريا في مسعى الحل السياسي للأزمة السورية، وفي انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، وفي تخفيف التوتر بين بغداد والرياض إثر تصريحات السيد نوري المالكي الأخيرة التي هاجم فيها السعودية. كما أن ذلك التفاهم مطلوب لتهدئة الموقف المحتقن في البحرين، وقد يتطرق إلى علاقة إيران بالحوثيين ودعم الانفصاليين في اليمن.لدى ملاحظتان على هذا المشهد، الأولى تتعلق بتطور الموقف السعودي وتناميه في الساحة العربية، إذ حين تنجح الرياض في تجاوز العقد التي أقامت جدرانا عالية حالت دون تفاهم البلدين وتتجه إلى تخطي تلك الجدران وإقامة جسور مع طهران. فذلك أمر إيجابي لا ريب، خصوصا إذا ما أسهم في حل سياسي بسوريا لا يخذل الشعب السوري. أو أدى إلى تهدئة مخاوف الخليج إزاء إيران. كما أنه يبطل الزعم القائل بأن مصدر الخطر الذي يهدد العالم العربي هو إيران وليس إسرائيل.الملاحظة الثانية تتعلق بالموقف المصري الذي يبدو متراجعا وغائبا من ناحية وغير مفهوم من ناحية أخرى. إذ من الواضح أن الرياض أصبحت اللاعب الأساسي في المشرق العربي على الأقل. في حين لم يعُد الدور المصري مذكورا. ثم إنه في حين تجاوزت الخطوة السعودية العقبات والعقد التي اعترضت علاقتها مع إيران، فإن القاهرة لا تزال أسيرة موقف غير مبرر حال دون تطبيع العلاقات مع طهران منذ قامت الثورة الإسلامية في عام 1979. ومن المفارقات أنه في الوقت الذي اتجهت السعودية برسالتها الأخيرة إلى إيران لإحداث اختراق دبلوماسي يعزز دورها العربي ويسهم في تأمين منطقة الخليج. فإن غاية ما فعلته القاهرة أنها أعلنت في شهر مارس الماضي عن تشكيل قوة للتدخل السريع، قيل إنها ستكون مستعدة للقيام بواجبها في المحيط العربي، وفهم أنها موجهة ضد إيران ولصالح منطقة الخليج. والمقارنة بين الموقفين تعطي انطباعا بأن الموقف السعودي يتقدم إلى الأمام وأن الموقف المصري يتراجع إلى الوراء.وإذا ما صح ذلك فإنه يدعو مصر الرسمية إلى إعادة تقييم موقفها والمسارعة إلى تصحيحه، لأن القطيعة مع طهران أساءت إلى مصالح مصر ومكانتها بأكثر مما أضرت بإيران.