15 سبتمبر 2025

تسجيل

من غرائب الشائعات

17 أبريل 2017

لم تجف دموع الحزن على ضحايا تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية، ومع ذلك انتشر في مصر سيل من الشائعات التي تهز الثقة في كل ما جرى. وليس مستغربا أن تنتشر الشائعات في بلد تشيع فيه البلبلة والثرثرة، خصوصا بعدما أصبح بمقدور أي أحد أن تكون له جريدته الخاصة، وقناته التلفزيونية التي هو مديرها ومذيعها. مع ذلك فأزعم أن شائعات هذا الزمان تميزت بأمرين. أولهما أن غير المعقول فيها أصبح ينافس المعقول والمقبول. وثانيهما أن غير المقبول صار له من يصدقه ويروج له.أحدث ما صادفته من ذلك القبيل اتصالات تلقيتها من أناس محترمين وتساؤلات سمعتها من أناس لا أعرفهم في الشارع تساءلوا عما إذا كان حادث تفجير الكنسيتين مدبرا ليكون ذريعة لإعلام الطوارئ وإسكات كل الأصوات وتمرير كل ما تريد السلطة تمريره من قضايا عالقة أو متعثرة. بعض الذين حدثوني لم يكونوا يتساءلون، ولكنهم كانوا يرون القصة عن اقتناع بخلفيتها. وهؤلاء كانوا يستندون إلى خبر قيل أن إحدى الصحف الكويتية قد نشرته، وتحدثت فيه عن أن الشاب الذي فجر كنيسة طنطا كان داعشيا يعمل بالكويت، لكن السلطات الكويتية ألقت القبض عليه وقامت بترحيله إلى مصر. إلا أن الأجهزة المعنية المصرية لم تكترث به وأطلقت سراحه، وقد اختفى الرجل لبعض الوقت ثم تبين أنه «أبو فلان» الذي فجر نفسه في الكنيسة.أحد المحترمين الذين حدثوني وعبروا عن تصديقهم للقصة قال: إن مصر حين تتسلم داعشيا من الكويت ثم تتركه مطلق السراح فإن ذلك يصبح أمرا غريبا للغاية، لأن المعتاد في مثل تلك الحالة أن يتم احتجازه هو وأهله وأصدقاؤه، حتى يتم التحري عنهم جميعا، وبعد سنة أو اثنتين أو ثلاث يطلق سراح الأهل والأصدقاء، ويضم المذكور إلى المتهمين في أي قضية. وليس مستغربا أن يتم استنطاقه لكي يعترف بكل ما يريده منه المحققون.سألت صاحبي عما إذا كان واثقا من صحة الخبر الذي قيل أن الصحيفة الكويتية نشرته، فكان رده أن ذلك لم يحدث، إلا أن تسلل الحوادث التي تلاحقت بعد ذلك يؤيد صحة الخبر. وخص بالذكر من تلك الحوادث قرار إعلان الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر لترهيب الجميع وإسكاتهم، ثم مسارعة مجلس النواب إلى تشغيل ماكينة الموافقة على الطوارئ، وعلى التعديلات التي اقترحت على قانون الإجراءات الجنائية. ثم عرض الاتفاقية الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير على البرلمان في ذلك التوقيت بما يضمن الموافقة عليها وتحدي قرار المحكمة الإدارية العليا بأبطالها. أضاف أن المسارعة إلى إصدار تشكيلات المجالس الثلاثة المختصة بضبط الخطاب الإعلامي ووضع حد للسخط الحاصل في مصر بسبب تفشي الغلاء وتعالي مؤشرات الإحباط السياسي. وهي قرائن تؤيد أن التفجير كان مفتعلا ومدبرا، وأن الصدمة التي أصابت المجتمع جراء التفجير أذهلت الناس وجعلتهم على استعداد لتقبل أي إجراء يسهم في وقف الإرهاب وقمع الإرهابيين.محترم آخر أضاف إلى ما سبق أن تطبيق الطوارئ في مصر كان الحل الوحيد الذي يمكن في ظله تمرير «صفقة القرن» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بالتفاهم مع الرئيس الأمريكي الجديد الساعي إلى تحقيق «الإنجاز» وفاء منه لإسرائيل ولتغطية فشله في سياساته الداخلية.استغربت أن تنتشر الشائعة على ألسنة البعض. واستغربت أيضا أن يكون آخرون على استعداد لتصديقها. ولم أجد لذلك تفسيرا إلا أنه ناشئ عن تفاقم أزمة ثقة المجتمع. والحاجة الملحة إلى ردم الفجوة المتسعة بينه وبين السلطة. وإذ أزعم أن بيان النفي لتلك الخلفية الذي أصدرته وزارة الداخلية حسم الأمر، رغم أنه تأخر عدة أيام، إلا أن أزمة اهتزاز الثقة التي كشفت عنها التجربة تحتاج إلى دراسة لأنه ليس «في كل مرة تسلم الجرة». ذلك أن نفي الواقعة إذا كان ميسورا، فإن تصحيح المناخ أكثر تعقيدا وصعوبة..