18 سبتمبر 2025

تسجيل

كابوس عصي على التصديق

16 نوفمبر 2014

هل صحيح أن جهود إجهاض الانتفاضة الثالثة في الأرض المحتلة تتم بالتنسيق مع بعض الأنظمة العربية، بدعوى أن تفجير موضوع القدس من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة؟ ــ السؤال يثيره سيل المعلومات المثيرة التي تتداولها وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذا الصدد. وهي معلومات لا نستطيع أن نسلم بصحتها، لكننا في الوقت ذاته لا نستطيع أن نتجاهلها، وكل ما نستطيع أن نفعله أن نتساءل عن نصيبها من الصحة، خصوصا أنها تقابل بصمت محيِّر من جانب العواصم العربية المعنية. لقد صار معلوما ومتواترا أن إسرائيل خصوصا بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر في عام 1979 نجحت في تحقيق اختراقات عدة في العالم العربي، رغم أن البعض يؤكد أن الاختراقات حاصلة مع بعض تلك الدول في وقت سابق على ذلك التاريخ، لكنها ظلت بعيدة عن الأعين وطي الكتمان طول الوقت لأسباب مفهومة. مع ذلك فبوسعنا أن نقول بأن ما سمي بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين المؤسسة الأمنية في إسرائيل كان بمثابة أول إعلان صريح عن التعاون الأمني بين إسرائيل وبين طرف عربي، قصد به إجهاض عمليات المقاومة وملاحقة المقاومين. ورغم فجاجة الفكرة وغرابتها إلا أن الاتفاق أضفى شرعية على قيام السلطة الفلسطينية بقمع المقاومة الفلسطينية لصالح أمن إسرائيل والإسهام في استقرارها، لكن «التعاون» المفترض مع بعض الأنظمة العربية جرت الإشارة إليه أكثر من مرة في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة. وكانت الإشارة الأقوى والأوضح أثناء العدوان الأخير الذي وقع في الصيف الماضي (شهر يوليو عام 2014)، إذ تواترت الإشارة في تصريحات المسؤولين في وسائل الإعلام إلى أن إسرائيل تخوض الحرب ضمن تحالف عربي مناهض للإرهاب. وذكرت في هذا الصدد ثلاث دول هي مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية، وفي الآونة الأخيرة نقلت الإذاعة العبرية صبيحة يوم 2/11 عن مصدر سياسي إسرائيلي بارز قوله إن الجهود الدبلوماسية التي بذلتها المملكة السعودية لعبت دورا رئيسيا في تقليص عمليات تهريب السلاح للمقاومة في قطاع غزة. في هذا الصدد ذكر المصدر الإسرائيلي ما يلي.. أن السعوديين استغلوا حاجة الرئيس السوداني عمر البشير للشرعية الإقليمية والدولية في أعقاب صدور قرار محكمة الجنايات الدولية باتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وطالبته بوقف التعاون مع الإيرانيين في تهريب السلاح للمقاومة في غزة وإنهاء دور السودان كمحطة لنقل السلاح الإيراني إلى غزة عبر الصحاري المصرية وسيناء. واعتبرت السعودية أن تعهده بذلك يعد شرطا لتطبيع العلاقات بين الرياض والخرطوم، وهذا ما حدث. وللعلم فإن الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي كبير المعلقين العسكريين لصحيفة يديعوت أحرونوت، كان أول من كشف النقاب عن دور السعودية في مواجهة عمليات تهريب السلاح عبر السودان للمقاومة في غزة. في التقرير الإخباري الذي يصدره مركز دراسات وتحليل معلومات الصحافة العبرية (نشرة 13/11) تصريحات منسوبة إلى عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية قال فيها إن دولا عربية تدخلت لوقف التحريض على التظاهر في القدس والمسجد الأقصى. وتم ذلك استجابة لتحرك سياسي ودبلوماسي قامت به إسرائيل من خلال قنوات اتصالها الخاصة مع تلك الدول التي رفض تسميتها (حتى لا يتسبب في إحراجها) وشدد على أن جهود تلك الدول العربية «تتكامل» مع العمليات التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لاسيَّما عمليات الاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى وهدم المنازل وغيرها، أضاف عاموس جلعاد قوله إن دول الإقليم العربية لا تريد إشعال الأوضاع في المنطقة. وذلك يفسر حماسها لوقف المظاهرات في القدس. كما أن رئيس السلطة الفلسطينية يقاوم بشدة فكرة انتقال شرارة أحداث القدس إلى الضفة الغربية. ذكر التقرير أيضا أن الأوساط السياسية والأمنية في تل أبيب تعول على دور لأبوظبي التي ترفع راية محاربة الإسلام السياسي في وأد أي تحرك عربي لنصرة الأقصى، ووقف أي تحرك من جانب المنظمات الدولية لإدانة إسرائيل. لأن ذلك يهدد جهودها المستمرة في مواجهة الإسلاميين. وكشفت تلك الأوساط النقاب عن أن الإمارات اشترت 35 شقة في القدس من أصحابها الفلسطينيين وباعتها للوكالة اليهودية. في حين أعرب وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد عن خشيته من أن يؤدي تدهور الوضع في القدس إلى انطلاق انتفاضة ثالثة. وهو ما من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة، الحافلة بمصادر التوتر وتجلياته. ما سبق قليل من كثير يشير بوضوح إلى أن التعاون والتنسيق بين إسرائيل وبين بعض الأنظمة العربية يزداد وثوقا واتساعا بمضي الوقت. وأكرر هنا أننا لا نستطيع أن نسلم بكل ما سبق ذكره ــ وبعضه فوق العقل كما يقول اللبنانيون ــ لكننا لا نستطيع أن نغض الطرف عنه ونتجاهله، علما بأن صمت منابرنا الإعلامية ومؤسساتنا السياسية إزاء الترويج لذلك الكلام يفتح الباب واسعا لتصديقه، وذلك كابوس آخر لا نريد أن نصدق احتمالات وقوعه في زمن العجائب السياسية الذي نعيشه في الوقت الراهن.