16 سبتمبر 2025
تسجيلعنوان الخبر أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على 20 من حملة الماجستير والدكتوراه. وفي التفاصيل الواردة تحته أن المذكورين كانوا ضمن مجموعة من حملة الشهادات العليا تظاهروا وهددوا بالاعتصام أمام مقر مجلس الوزراء، مطالبين بتشغيلهم. لذلك حاصرتهم قوات الأمن بعد محاولة تفريقهم بالقوة وألقت القبض على بعضهم، وقد أصيب أحدهم بهبوط حاد ونقل إلى المستشفى لإسعافه في حين أصيبت بعض المشاركات بالإغماء. إذا صحت المعلومة التي ذكرتها بعض صحف الأربعاء 7/13 من أن الوقفة التي نظمها أولئك الباحثون تكررت قبل ذلك 65 مرة، فمعنى ذلك أن تظاهراتهم لها تاريخ، وأنهم وجدوا في التظاهر عملا مؤقتا يشغلهم حتى تدبر الحكومة أمرهم.أكثر ما لفت انتباهي في الأمر أن التعامل معهم صار مقصورا على وزارة الداخلية. وحين كلفت قوات مكافحة الشغب بالقيام «باللازم»، فإنها لم تفعل أكثر من محاولة تفريقهم بالقوة، وإلقاء القبض على بعض الذين تزعموا العملية، وإحالتهم مخفورين إلى قسم شرطة قصر النيل لتتولى النيابة وجهاز أمن الدولة معالجة بقية فصول القصة.أدري أن ثمة جوانب أخرى في المشهد تستحق المناقشة والدراسة، منها ما يتعلق بتفسير ظاهرة الفائض الكبير في أعداد حملة الماجستير والدكتوراه في مصر. حتى قرأت أن أعدادهم في مصر ذات التسعين مليون نسمة تفوقت على نظائرهم في الهند التي يزيد عدد سكانها على مليار نسمة. واقترنت هذه الظاهرة بملاحظة أخرى وهي أن تزايد الإقبال على حيازة الشهادات تزامن مع تراجع مؤشرات البحث العلمي الجاد. وكانت النتيجة أن في الهند قلَّت أعداد الحاصلين على الشهادات العليا في حين حقق البحث العلمي إنجازات كبيرة. وحدث العكس في مصر التي لا تزال محتفظة بمكانتها التقليدية باعتبارها بلد «شهادات»! الأمر الآخر الذي يستحق المناقشة هو فكرة تحميل الحكومة بمسؤولية إيجاد عمل لأولئك الباحثين. وهي المهمة التي قامت بها الحكومة المصرية حينا من الدهر، لكنها تخلت عن ذلك الدور في الوقت الراهن لأسباب مفهومة. وهي مشكلة لا تواجه حملة الماجستير والدكتوراه وحدهم، لأن جيش خريجي الجامعات الذين يضافون إلى سوق العمل كل عام يعانون من المشكلة ذاتها. الأمر الذي يعنى أن دائرة البطالة لا تتسع في مصر فحسب، ولكنها تزداد تعقيدا كل عام. ولا أجد أحدا مشغولا بهذا الموضوع غير ضحايا المشكلة. أما النتائج التي تترتب على ذلك فهي حافلة بالتداعيات التي ليس فيها ما يسر. ولا نستطيع أن نتجاهل احتمالات انتشار الجريمة والتطرف والعنف التي يمكن أن تفضي إليها.ليس عندي حل للإشكال لكنني أقرر أننا بصدد أمر لا ينبغي تجاهله أو التهوين من شأنه. أضيف أن ثمة ضرورة لمناقشة الموضوع ومحاولة البحث عن حل «مدني» له سواء في دوائر الحكومة أو البرلمان أو رجال الأعمال أو أهل الخبرة حيثما كانوا. أما الذي أقطع به ودعاني إلى الخوض في الموضوع فهو أنه لا وزارة الداخلية ولا قوات مكافحة الشغب ولا جهاز أمن الدولة ولا المؤسسات السيادية أيا كانت هويتها قادرة على حل الإشكال. ومن الخطأ الفادح أن يحال الملف إلى المؤسسة الأمنية للتعامل معه. خصوصا أن حملة الماجستير والدكتوراه ليسوا سوى متظاهرين سلميين، وليسوا مشاغبين أو إرهابيين أو خطرين على الأمن العام. فضلا عن أن وقفتهم لا تمثل أي مساس أو إضرار بالمنشآت العامة. وحين تحدث الخبر المنشور عن إلقاء القبض على عشرين منهم وإحالتهم إلى قسم الشرطة والنيابة العامة لمجرد أنهم نظموا وقفة سلمية أو حتى دعوا إلى الاعتصام، فإن ذلك لا يمثل إهانة لهم فحسب، ولكنه يسىء إلى النظام ويشوه صورته. حيث يفترض في الدولة المتحضرة أن تؤمنهم الشرطة وتحميهم لا أن تفرقهم بالقوة وتحمل بعضهم مخفورين إلى النيابة العامة.حين يحدث ذلك فيما قيل لنا قبل عدة أشهر إننا بصدد «عام الشباب» فإننا نصبح إزاء مفارقة تجرح صدقية ذلك الوعد. وتعطي انطباعا بأن كبار المسؤولين يراهنون على ضعف ذاكرة الناس. ثم إنهم حين يتكلمون فإنهم لا يتحدثون كرجال دولة يعبرون عن رؤية إستراتيجية وسياسية مرسومة، وإنما يطلقون تصريحاتهم بما يتوافق مع أجواء كل مناسبة. وهم واثقون من أن أحدا لن يحاسبهم على ما يقولون، وأن كلام أهل الحكم في بلادنا معفى من أي «ضريبة». وهو قابل للتغيير بتغير الأمكنة والأزمنة والأمزجة والأحوال.