18 سبتمبر 2025

تسجيل

الهزار والجد في مسألة السد

16 فبراير 2014

ظاهر الأمر حتى الآن أن مصر مقبلة على أزمة مياه، لا خلاف على أنها يمكن أن تتحول إلى كارثة إذا صحت تقديرات الخبراء الذين حذروا من الآثار المترتبة على بناء سد النهضة الإثيوبي الذي يفترض أن يتم بعد ثلاث سنوات (عام 2017)، وهي الآثار التي ستكون لها تداعياتها السلبية الفادحة على أبرز مقومات الحياة والتنمية في مصر. وما فهمناه أن التفاهم المستمر منذ ثلاث سنوات مع إثيوبيا حول الموضوع باء بالفشل، الأمر الذي أعلنه وزير الري المصري عقب زيارته الأخيرة لإثيوبيا. فهمنا أيضا أن مصر بصدد اللجوء إلى خيارات أخرى تعددت بشأنها الاجتهادات، التي صرنا نتابعها على صفحات الصحف وبرامج التلفزيون، ولأنني أحتفظ بملف خاص لما ينشر عن الموضوع على الأقل، وقد أتيح لي أخيرا أن أستمع إلى آراء بعض أولئك الخبراء، فإن ذلك يسوغ لي أن أنبه إلى عدة ملاحظات هي: * إن ملف المياه هو أحد ضحايا سوء الإدارة السياسية في مصر، سواء قبل الثورة أو بعدها، حيث تم إهماله ولم يؤخذ على محمل الجد حتى اللحظة الراهنة. فمصر منذ تقزيمها وانكفائها فقدت تأثيرها وهيبتها. ذلك أن هشاشة الداخل سحبت من رصيد مصر الخارجي، ومنذ قيل إن 99% من الأوراق في يد الأمريكيين، فإن مصر تخلت عن أصدقائها كما انصرفت عن محيطها العربي وفقدت حضورها الإفريقي، خصوصا بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك أثناء ذهابه للمشاركة في القمة الإفريقية في إثيوبيا عام 1995 الأمر الذي حوّل إهمال الدائرة الإفريقية إلى عزوف عنها وخصومة معها. * إن الملف موزع على عدة جهات في مصر، هي قطاع مياه النيل في وزارة الري ولجنة الأمن المائي بوزارة الخارجية واللجنة العليا للحياة التي يرأسها رئيس الوزراء، والمجلس القومي للمياه الذي يرأسه الدكتور محمود أبو زيد وزير الرأي الأسبق. وأفترض أن يكون لدى المخابرات العامة اهتمام بالموضوع، باعتبار صلته الوثيقة بالأمن القومي المصري. والملاحظة الأساسية على ذلك التعدد أنه لم يتم تطويره في إطار يتولى إدارة الأزمة والتنسيق بين الجهود المختلفة للتعاطي معها. إن شئت فقل إننا بصدد فرق متعددة تلعب في الساحة دون أن يكون لدينا فريق قومي يقف في المقدمة، وهو أمر يتعذر احتماله في قضية بهذه الخطورة، ينبغي أن تتناغم فيها جهود الفنيين مع الدبلوماسيين والقانونيين والسياسيين إلخ، من خلال منظومة واحدة. * إن الملف يدار بواسطة الحكومة وحدها، في حين أن المجتمع منفصل عنه تماما، قد يسمع عنه في وسائل الإعلام لكنه ليس شريكا فيه. فلا عقل المجتمع المدني مشغول به ولا مؤسسات المجتمع منتبهة إليه، فلم نسمع للأحزاب أو القوى السياسية رأيا ما في الموضوع، ولا لاحظنا دورا لمراكز الأبحاث طرح أي تصور أو مقترحات لمستقبل المشكلة، أما إهدار المياه في قطاع الزراعة والري فهو مستمر بالرتابة المعهودة، وكأنه لا شيء يقلق في الأفق. وفي الوقت الذي تغيب تلك القضية الإستراتيجية عن المجال العام، نجد أن الجهات سابقة الذكر مشغولة بالشأن السياسي وبعضها ضالع ومتفرع للتهريج السياسي. * إن الرأي العام منفصل عن القضية تماما، فلا تعبئة ولا تنبيه ولا إذكاء لوعي المواطن العادي بالخطر المحتمل. حتى الكتاب الجديد الذي أراد وزير التربية والتعليم أن يرفع به مستوى وعي تلاميذ المدارس (كتاب القيم والأخلاق والمواطنة) وجدناه قد اعتنى بتحفيظ الأجيال الجديدة كلمات المشير السيسي عن أن «مصر أم الدنيا وستبقى قد الدنيا»، ولم يذكرهم بأن المياه شريان الحياة في مصر ولا ينبغي أن نهدرها. وعلى صعيد الفتاوى وجدنا اهتماما بإقناع الناس بتطليق الزوجة الإخوانية وبأن التصويت للاستفتاء واجب شرعي، وأن إضراب الأطباء محرم شرعا، ولم نجد تفكيرا بتوعية الناس بالموضوع. علما بأن النصوص الشرعية التي تحض على عدم الإسراف في المياه تحقق المراد وزيادة. وهذه مجرد أمثلة على التراخي والهزل في المسألة. ولا أريد أن أضيف أمثلة أخرى عن المياه التي تسيل في الشوارع والمساجد طول الوقت أو عن البحيرات وملاعب الجولف التي تظهر في إعلانات التلفزيون كي تجذب الناس إلى المنتجعات الجديدة. إن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء هذه الخلفية هو: إذا لم نكن جادين في إدارة الأزمة، وإذا لم نكن متحمسين لتحميل المجتمع مسؤوليته إزاء تداعياتها، فلماذا نكتفي بتوجيه اللوم إلى الإثيوبيين ونأخذ عليهم عدم تجاوبهم مع مجهوداتنا؟ ــ والسؤال له صياغة أخرى كالتالي: إذا كان أداؤنا يشوبه ذلك القدر من الهزار، فلماذا نطالب الإثيوبيين بأن يأخذوا كلامنا على محمل الجد؟