15 سبتمبر 2025

تسجيل

احتفال غير مبرر

13 أكتوبر 2016

حين يكون للحياة النيابية في مصر تاريخ عريق بعمق ١٥٠ عاما، ثم تفرز تلك الخبرة الثرية مجلسا يرثى لحاله كالذي نشهده الآن، فهل يدعونا ذلك إلى التباهي والاحتفال أم إلى الخجل والانتحاب؟ السؤال من وحي الصخب الإعلامي الذي أحاط بالاحتفال بالمناسبة يوم الأحد الماضي ٩/١٠. إذ ألقيت فيه عدة خطابات، ونشرت الصحف سرديات ذكرتنا بعراقة التجربة والسبق الذي تحقق بصدور مرسوم الخديو إسماعيل بإنشاء مجلس شورى النواب في عام ١٨٦٦، حين لم تعرف هناك أي دولة في العالم العربي وإفريقيا أي صورة للتمثيل النيابى. ثم بالتطور الذي شهدته التجربة البرلمانية عبر تلك المدة الطويلة منذ ضم مجلس شورى النواب ٧٦ من عمد البلاد وأعيانها.. شكلوا خمس لجان لمناقشة الموازنة ومعاونة الحكومة. إلى أن صار المجلس يضم الآن ٥٩٦ عضوا يمثلون ١٩ حزبا، وأعضاؤه يتوزعون على ٢٩ لجنة غطت مختلف الأنشطة ومجالات العمل العام. وإزاء ذلك الاستعراض، فإن ضيوف الحفل لم يقصروا في مجاملة مصر، فوجدنا رئيس البرلمان العربي يصف التجربة البرلمانية المصرية بأنها رائدة ومصدر أمل للعرب في التنمية، كما أن رئيس البرلمان الإفريقي اعتبر أن المناسبة تمثل عيدا لا تعتز به مصر فقط، ولكنه مصدر اعتزاز للقارة بأكملها.الخطاب المصري في المناسبة ركز في الاعتزاز بالتجربة على نقطتين أساسيتين. الأولى تمثلت في تسجيل السبق الذي تحقق بتأسيس مجلس شورى النواب منذ ١٥٠ عاما. أما الثانية فكانت تركيبة المجلس الحالي الذي أشرك في عضويته ١٩ حزبا، كما أنه ضم ٩٠ امرأة، فضلا عن تمثيل الشباب فيه بنسبة ٤٠٪ من جملة أعضائه. أما وظيفة المجلس ودوره في الرقابة والتشريع ــ وهي مهمته الأساسية ــ فلم يتطرق إليها أحد. وأغلب الظن أن ذلك الجانب جرى التستر عليه لأن موقف المجلس من هذه الناحية يعد فضيحة سياسية كبرى. فرئيسه الذي هو أستاذ للقانون لا يجيد التحدث باللغة العربية (مجلة الأهرام العربي رصدت له ١٦٥ خطأ لغويا في كلمته التي استغرقت ١٩ دقيقة بمعدل ٩ أخطاء كل دقيقة) يمنع أي نقد للحكومة ويرفض استجوابها. وخطبته التي ألقاها كانت تعبيرا عن ولائه للحكومة والسلطة التنفيذية، وتجديدا لبيعة رئيس الجمهورية وإشادة بدوره. بالتالي فإن غاية ما يحسب للمجلس في دور انعقاده الأول أنه بارك كل جهود الحكومة ومرر كل ما أصدره الرئيس من قرارات بقوانين في غيابه. وظلت تلك حدود دوره في التشريع، أما دوره في الرقابة فقد تنازل عنه وظل مكتفيا بالتهليل للحكومة والتصفيق لإنجازاتها.حين يكون الإنجاز في هذه الحدود المتواضعة، فإن العراقة والسبق التاريخي يصبح كل منهما بلا قيمة، ويغدو التاريخ شهادة تدين التجربة ولا تمجدها، إذ يفترض أن تكون المدة الطويلة مصدرا لإنضاجها وإنجاحها. حيث يتوقع المرء أن تكون قد جعلت مجلس النواب منبر الشعب الأول، وإحدى المؤسسات الوطنية القوية التي تراقب أداء السلطة التنفيذية وتحاسب رموزها، كما يقوم بدور إيجابي وفعلي في مناقشة القوانين قبل إصدارها. وحين لا يحدث شيء من ذلك فإن المناسبة تصبح سببا في إصابتنا بالاكتئاب والحزن، وعند الحد الأدنى فإنها تغدو فرصة لتقييم التجربة ودافعا إلى الدعوة لمعالجة أسباب العجز والإعاقة التي يعانى منها المجلس وجعلته يقوم بدور «المحلل» للسلطة وليس الرقيب عليها.ليس في الأمر سر. ذلك أن المشكلة أكبر من المجلس، وهي تكمن في الظروف التي أنتجته وأرادت له أن يتحرك في تلك الحدود، ووجدت من يقبل بذلك الدور. بالتالي فإن أهم ما في المناسبة أنها نبهتنا إلى أننا بعد ١٥٠ سنة مازلنا نقف عند مرحلة الخديو إسماعيل الذي أراد لمجلس شورى النواب أن يكون عونا للحكومة وصدى لها. ولا أجد في ذلك مسوغا للاحتفال، إلا إذا كان المراد به إطلاق فرقعة سياسية لترطيب الأجواء ورفع المعنويات والحفاوة بقرار الخديو إسماعيل.