16 سبتمبر 2025

تسجيل

أسئلة الساعة وضروراتها

13 يوليو 2011

الشعب والجيش لا يزالون يدا واحدة والثوار والمجلس العسكري لم يعودوا كذلكالخبر الجيد أن الشعب والجيش لا يزالون يدا واحدة. الخبر السيئ أن الثوار والمجلس العسكري لم يعودوا كذلك. على الأقل فذلك ما تدل عليه التطورات التي شهدتها مصر خلال الأيام الأخيرة، التي بدا فيها أن الفجوة تتسع بين المجلس العسكري وبين شريحة واسعة من ثوار 25 يناير. لدرجة أن البعض عاتبني لأنني ذكرت فيما كتبت يوم الاثنين الماضي أنني «متعاطف» مع المجلس، رغم أنني أوردت تحليلا انتقدت فيه ممارساته التي وصفت بعضها بالارتباك والارتجال.وكان ضيق البعض باستخدام وصف «التعاطف» مثيرا للدهشة ولا يخلو من دلالة جديرة بالملاحظة الأمر الذي أقنعني بأن ذلك التحول في المشاعر يحتاج إلى تفسير.أسجل ابتداء خشيتي من أن يتأثر البعض بانفعالات اللحظة المسكونة بالاستياء ونفاد الصبر، فينسون أن المجلس العسكري هو الذي حرس الثورة وأمنها ونجَّحها أيضا، بما يعنى أنه لولا موقفه لما تنحى الرئيس السابق ولما حققت الثورة هدف إسقاط النظام. أضيف إلى ذلك أن المجلس العسكري ومن ورائه القوات المسلحة لا يزالون يؤدون دورهم في حراسة الثورة وتأمينها. ولولا هذا الدور لشهدنا في مصر استنساخا للمشهد السوري أو اليمنى أو الليبي، حيث يبدي النظام في تلك الأقطار استعدادا لسحق الجماهير وقصف المتظاهرين وتصفية المعارضين، ثمنا لبقائه واستمراره. وهي خلفية تسلط الضوء على خطورة الدعوة التي يروج لها البعض هذه الأيام ممن توقفوا عن الحديث عن الثورة المضادة. وبدأوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى المجلس العسكري. ومنهم من ذهب به الانفعال حدا جعله يضم المجلس إلى مربع تلك الثورة.ما أريد أن أقوله هنا ثلاثة أمور. أولها أن بقاء المجلس العسكري يظل ضرورة وطنية، حتى يتسلم المدنيون السلطة، وأنه على الذين يتحرون المصلحة الوطنية حقا أن يتحاوروا تحت هذا السقف. الثاني أن التسليم بضرورة دوره لا يعنى على الإطلاق لا التسليم بكل ما يصدر عنه ولا تحصينه ضد النقد والمساءلة. وأزعم في هذا الصدد أنه إذا كان بقاء المجلس ضرورة، فإن نقده يظل ضرورة بدوره. لكنه النقد الذي يصوب المسيرة وليس ذلك الذي يهدم المعبد على من فيه. الأمر الثالث أنه على الذين يصوبون سهامهم صوب المجلس العسكري أن يفكروا جيدا في بدائله، التي هي الأسوأ بكل المعايير.شهدت جلسة حوار انقسم المشاركون فيها فريقين، أحدهما انتقد تباطؤ الإجراءات التي أصدرها المجلس العسكري وفسر ذلك بسوء التقدير والتردد في اتخاذ القرار. أما الثاني فقد ذهب به سوء الظن حدا دفعه إلى رفض فكرة التباطؤ وترجيح احتمال «التواطؤ». ورغم أن الأخيرين يعدون قلة، إلا أن مجرد ظهورها في الظرف الراهنة يعد جرس إنذار يجدر ملاحظة دوافعه ومراميه.ما أدهشني في هذا الفريق الأخير أن أصحابه الذين كانوا في الجلسة من أشد المتحمسين للثورة والغيورين عليها، ولا يستطيع أحد أن يدعى أنهم من الساخطين أو المتآمرين عليها. الأمر الذي يدعونا للانتباه إلى أن ثمة غلطا ما وقع وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. هل هو بطء إجراءات محاكمة المسؤولين عن القتل والفساد في العهد السابق؟ هل هو القصور في التواصل مع الرأي العام بما يؤدى إلى إيضاح ما التبس وتوضيح ما انغلق؟ هل هو الإعلام الذي انحاز إلى الإثارة والتهييج على حساب الموضوعية والمسؤولية؟ هل هي الأجندات الخاصة التي تبناها البعض وفرضوها على المجتمع من خلال الأبواق التي تعبر عنهم؟ هل هم الذين قفزوا إلى صدارة المشهد وأرادوا اختطاف الثورة منتهزين فرصة فراغ الساحة السياسية وغياب القيادة التي تعبر عن الإجماع الشعبي؟ هل هم «الفلول» المتربصون والساعون إلى الوقيعة بين الثوار والمجلس العسكري؟ هل هي الأصابع الأجنبية التي تريد إدامة الفوضى وإشغال الرأي العام بغير الأهداف الحقيقية للثورة؟.قد تكون هناك تساؤلات أخرى. وقد لا يكون هناك سبب واحد يمكن الارتكان إليه في تفسير الشرخ الحاصل الآن، وإنما أدت إليه أسباب عدة، وربما هذه الأسباب مجتمعة. لكنى لا أستطيع في تفسير تحول المشاعر واستدعاء سوء الظن أن أتجاهل الدور المهم الذي أسهم به غموض بعض المواقف والقرارات. حيث لم يفسر لنا أحد لماذا تأخرت كثيرا محاكمة المسؤولين عن قتل الثوار وعن الفساد الذي استشرى في البلاد، في حين تسارعت محاكمة أعداد كبيرة من المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما لم تفسر لنا بعض التعيينات التي تمت في مواقع عدة وأثارت الحيرة والدهشة، على الأقل في حين إنها بدت أكثر ملاءمة للنظام السابق منها لمصر ما بعد الثورة.غدا نواصل بإذن الله.