17 سبتمبر 2025

تسجيل

شاهد لم يفهم شيئا

12 نوفمبر 2015

لم أفهم لماذا أعلنت بريطانيا تعليق الطيران إلى شرم الشيخ أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للندن، وقبل انتهاء التحقيق في سقوط وتحطم طائرة السياح الروس. ولم أفهم التصريحات التي نسبت للمصادر الرسمية المصرية وتحدثت عن سعي الولايات المتحدة والدول الأوروبية لحصار مصر وإضعافها ووصف ذلك بأنه «مؤامرة دولية». وفي حين أن روسيا التي كان مواطنوها هم ضحايا الطائرة المنكوبة فإنها انضمت بدورها إلى الدول التي علقت السفر إلى شرم الشيخ، وهو ما يبعث على الحيرة لأنه يعطي انطباعا بأنها أصبحت جزءا من المؤامرة. وأشارك أحد القراء دهشته عما قيل عن ضلوع التنظيم الدولي في المؤامرة لتدمير اقتصاد البلاد، وقوله إنهم إذا كانوا يملكون ذلك النفوذ الخطير فلماذا لم يستخدموه لإنعاش الاقتصاد لإنجاح حكم الإخوان؟لم أفهم أيضا صدور قرار بحبس الصحفي الحقوقي البارز حسام بهجت مدة أربعة أيام، بعد أيام قليلة من حديث الرئيس السيسي عن أن الحريات الصحفية في مصر بلا حدود، ورغم أن القانون لا يسمح بالحبس في قضايا النشر. ثم حين يثير الإجراء ضجة داخل مصر وخارجها فإن النيابة نفسها تصدر قرارا بإخلاء سبيله في اليوم التالي مباشرة. بذات القدر فقد بدا لغزا محيرا ومثيرا للدهشة الأسلوب الذي اتبع في إلقاء القبض عند الفجر على مؤسس صحيفة «المصري اليوم» ورجل الأعمال المعروف المهندس صلاح دياب وابنه واستخدام الملثمين، والقوات الخاصة في العملية، ثم نشر صوره مخفورا ومكبل اليدين وإصدار قرار بحبس الرجل احتياطيا لمدة ١٥ يوما، رغم كبر سنه والجراحة التي أجراها في قلبه. حدث ذلك رغم أن القضية في ظاهرها كانت محصورة في إحراز سلاح من دون ترخيص، وهو ما كان يمكن التحقيق فيه بصورة أخرى خالية من الترويع والإذلال. ناهيك عن أن القانون وفر بدائل عدة غير الحبس الاحتياطي لمساءلة أي متهم، كمنعه من مغادرة المدينة أو حتى مغادرة محل إقامته. وإذا استغربت ما جرى مع الرجل، فإنني لم أفهم أيضا تأويل مسؤول بإحدى الصحف الخاصة لذلك الإجراء ودعوته يكون القبض على صلاح دياب بداية لمعركة الرئيس مع رجال الأعمال، وإعلانه أنه تمنى أن تكون «الضربة الأولى» من نصيب رجل أعمال آخر.لم أفهم أيضا لماذا يوقف برنامج مذيعة القناة الثالثة بالتلفزيون الرسمي عزة الحناوى، ولماذا أحيلت للتحقيق لمجرد أنها تحدثت بأدب واحترام شديدين عن مساءلة كل مسؤول في الدولة من الرئيس إلى أصغر موظف؟ كما لم تفهم لماذا يلقى القبض على الباحث المتميز هشام جعفر رغم سجله الحافل بالنزاهة الفكرية وانشغاله بالقضايا التنموية والاجتماعية. ولا فهمت شيئا من اتهام المصورة الشابة إسراء الطويل المصابة بعطب في ساقها بأنها خططت لاغتيال أحد القيادات، واكتشاف ذلك بعد مضي خمسة أشهر على اعتقالها. كما كان مثيرا للدهشة أن تتهم «خلية» وصفت بأنها إخوانية بالمسؤولية عن إغراق مدينة الإسكندرية عن طريق قيامها بسد «البلاعات»، في حين أن الإغراق كان أشد في محافظة البحيرة، التي تعرضت فيها نحو ٥٠ قرية للغرق، دون أن تكون هناك خلية أو بلاعات. وهو ما أثار سيلا من التعليقات الساخرة مشابهة لتلك التي تندرت على اتهام رجل الأعمال الإخواني حسن مالك بالتسبب في أزمة الدولار والإضرار بالاقتصاد المصري في حين أن أمواله تحت الحراسة. وهي ذاتها التعليقات التي لم يسلم منها رئيس جامعة الأزهر، الذي عين زوجته مستشارة له بعد بلوغها سن التقاعد، وحين انتقد في ذلك قال إنها وقفت ضد الإخوان: أما حين نفى مساعد وزير الداخلية وجود أي حالة للاختفاء القسري ثم طالبت منظمتان حقوقيتان بالكشف عن مصير قائمة ضمت ١١ اسما، فإن الأمر بدا أيضا محيرا وغير مفهوم.ليست هذه أولى المدهشات والمفارقات بطبيعة الحال، لأن السوابق المماثلة كثيرة. وهى تحفل بالمشاهد الصادمة والمثيرة. أما الجديد في الأمر فقد كان تواتر تلك النوازل في الآونة الأخيرة إضافة إلى تنوعها. ذلك أنها كانت في السابق تدور في دائرة محدودة مرتبطة بالصراع السياسي ومن ثم بدا السياق فيه واضحا. لكنها الآن باتت موزعة على دوائر عدة دون سياق واحد يربطها. وإذ كان من اليسير تفسير وفهم السياق السابق فإن الأمر بدا ملغزا في الوقت الراهن، حتى سرت البلبلة جراء ذلك في محيط الأنصار والمؤيدين، وهو ما لاحظناه في الحيرة والنقد الذي لاحظناه في تعليقات إعلاميين، وإعلاميات وقفوا تقليديا في الصفوف الأولى للموالين. ذلك أنهم وجدوا أنفسهم أمام ظواهر يتعذر فهمها ويصعب تبريرها أو الدفاع عنها فصدر منهم كلام شديد في انتقادها. وفي هذه الحالة فإن هبوب عواصف النميمة وإغراق أوساط المثقفين والمعنيين بالشأن العام في بحر الشائعات غدا تداعيا مفهوما ومبررا.أيضا ليست مفهومة ولا معلومة الجهات التي تتخذ القرارات أو تصدر التوجيهات. كما أشك كثيرا في أن تكون بعض الاجتهادات، التي تطوع بها البعض تعبر عن وجهة النظر الرسمية، بدءا من حكاية معركة الرئيس مع رجال الأعمال وانتهاء بالمؤامرة التي يدبرها الأمريكان والأوروبيون الذين التحق بهم الروس (الإعلامية لميس الحديدي قالت في برنامجها إننا لسنا بحاجة إلى مؤامرة لأن أداءنا أصبح هو المؤامرة)، وما أقوله مجرد استنتاج وانطباع لواحد صم أذنيه عن الشائعات وتمنى ألا تكون صحيحة، لكنه شاهد ولم يفهم شيئا، مع الاعتذار لمؤلف المسرحية الشهيرة، التي حملت نفس العنوان.