16 سبتمبر 2025
تسجيلالجرس جاءنا هذه المرة من بروكسل، فقد وجه برلمان الاتحاد الأوروبي رسالة قوية إلى الحكومة المصرية انتقد فيها قائمة الانتهاكات التي تمارسها وزارة الداخلية، ودعا في ختامها الحكومات الأوروبية إلى حظر المساعدات الأمنية والعسكرية التي تقدم إلى مصر طالما استمرت تلك الانتهاكات، حدث ذلك مساء الأربعاء الماضي ٩/٣ حين جرى تعميم الرسالة على وسائل الإعلام الأوروبية عقب جلسة البرلمان، إذ تضمنت ٢٣ نقطة لا جديد فيها بالنسبة للمواطن المصري. ذلك أنها سجلت العناوين التي بحت أصوات الحقوقيين والوطنيين المصريين طوال العشرين شهرا الأخيرة وهي تدعو إلى معالجتها، ليس فقط دفاعا عن كرامة وإنسانية المواطن المصري ولكن أيضا لتحقيق الاستقرار وإشاعة السلام الأهلي فضلا عن تحسين سمعة النظام القائم التي شوهتها تلك الممارسات. تحدث بيان البرلمان الأوروبي عن كل ما نعرف. قانون منع التظاهر غير الدستوري والاعتقالات العشوائية والاختفاء القسري وتصاعد مؤشرات القمع والتعذيب وصولا إلى الحملة ضد منظمات المجتمع المدني ومنع النشطاء من السفر، إلى غير ذلك من الانتهاكات التي يقابل بعضها بالصمت والتجاهل في حين تصر وزارة الداخلية على إنكار أغلبها من الأساس. ناهيك عن أن أبواقها دأبت على اتهام المتحدثين عنها بأنهم يستهدفون تشويه النظام القائم. وهي تهمة مدهشة لأن تلك الممارسات هي أكثر ما أساء إلى الدولة، يشهد بذلك البيان الذي نحن بصدده، إذ هو صادر عن برلمان الاتحاد الأوروبي الذي أدرك أعضاؤه أن ما حدث في مصر بمثابة انتهاكات من الجسامة بحيث لا يمكن تبريرها ويتعذر السكوت عليها، وحين نلاحظ أن الذين أصدروا ذلك البيان يمثلون شعوب ٢٨ دولة أوروبية فلنا أن نتصور حجم التشويه والإساءة الذي تسببه تلك الانتهاكات لصورة مصر وسمعتها في الخارج، وحين يحدث ذلك فإن الحديث عن المؤامرة ومساعي إسقاط الدولة يصبح لغوا لا معنى له، ذلك أن التشويه في هذه الحالة ينطلق من داخل مؤسسات الدولة المصرية وليس من خارجها، الأمر الذي يعفي المتآمرين من بذل أي جهد لتحقيق مرادهم، لأن ممارسات أجهزة الداخلية تقوم لهم بما يلزم. ما يثير الانتباه أننا لا نكاد نلمس جهدا حقيقيا لوقف الانتهاكات، والأغرب أن ما يبذل من جهد يستهدف الذين ينتقدونها أو يفضحون ممارساتها.تؤيد ذلك الإدعاء قرائن عدة منها محاولة إغلاق مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب، منها كذلك التحقيق مع الحقوقي البارز الأستاذ نجاد البرعي وتوجيه ست اتهامات إليه لمجرد أنه سعى مع آخرين لإعداد مشروع لوقف التعذيب، منها أيضا حملات استهداف المنظمات الحقوقية المستقلة، التي دأبت على رصد الانتهاكات والتنديد بها. في الوقت ذاته فإن الداخلية تسعى إلى تحسين صورتها من خلال الأشرطة الدعائية وتصوير الوزير وهو يقبل رأس أب كان ابنه من ضحايا الداخلية، وإلى جانب إنكار التجاوزات فإنها ما برحت تتحدث عن وقوع بعض الانتهاكات التي اعتبرتها ممارسات فردية وغير ممنهجة (رئيس المجلس القومي الحكومي لحقوق الإنسان وبعض أعضائه رددوا ذلك المعنى أكثر من مرة) . وكان ذلك نوعا من الهروب من الحقيقة أو الاحتيال عليها، إذ يراد إقناعنا بأن التعذيب لا يتم بقرار صريح أو ترتيب مسبق، ولكنه «مبادرات» شخصية لا تتحمل الداخلية المسؤولية عن وقوعها، وهذا صحيح لا ريب، لكن الأصح منه أن الداخلية إذا لم تصدر أوامرها بممارسة التعذيب، إلا أنها قبلت به وشجعته لأنها لم تطلب إيقافه ولم تحاسب الذين أدينوا في ممارسته، كما أنها سعت إلى قمع المركز الحقوقي الذي حاول إعداد مشروع قانون لوقفه، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أن تلك الانتهاكات جزء من سياسة الدولة وليست مجرد تجاوزات متورط فيها أجهزة وزارة الداخلية. بيان البرلمان الأوروبي جرس جديد ينتقد ما يحدث في مصر ويدعو إلى معاقبتها، وهو يضاف إلى مجموعة الوثائق التي أصدرتها المنظمات الحقوقية الدولية وطالما سجلت الانتهاكات الحاصلة ونددت بممارساتها، وحين يحدث ذلك فإنه ينسف مختلف الجهود التي تمارس في أوروبا لتشجيع السياحة وجذب المستثمرين. يبدو أنه لم يعد كافيا لوقف الانزلاق في ذلك المسار البائس أن نقول بأن الانتهاكات تهدر كرامة المصريين وترفع من وتيرة الاحتقان والغضب، ولا أعرف إن كان من المجدي أن نحذر أيضا من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بسمعة البلد السياسية وبمصالحه الاقتصادية، لكن ما أعرفه أن تجاهل الملف والاستخفاف بتداعياته له عواقبه الوخيمة التي نسأل الله أن يجنبنا شرورها.