17 سبتمبر 2025

تسجيل

5 ملاحظات عن الفساد

10 سبتمبر 2015

مفهوم أن يلقى القبض على وزير الزراعة في مصر لاتهامه بالضلوع في الفساد بوزارته. لكنني لم أفهم الطريقة التي تمت بها العملية ولا الموقف الإعلامي من قضيته. ذلك أن الرجل كان قد قدم استقالته من منصبه صباح الاثنين، وبعد دقائق من مغادرته مقر مجلس الوزراء ــ وفي قلب ميدان التحرير ــ اعترضت طريقه أربع سيارات جيب سوداء تابعة للجهاز الأمني، وأنزلته من سيارته مخفورا لينتقل بعد التقاط صوره إلى سجن طرة. وهى العملية التي أخرجت بصورة سينمائية غير مبررة، لا تفسر إلا بأنه أريد بها التشهير والفضيحة والإذلال. إذ كان الأليق والأكثر احتشاما أن تتبعه سيارات الشرطة وتلقى القبض عليه من بيته بعد إطلاعه على قرار النيابة بحقه، أما لماذا اعتقل بهذه الطريقة السينمائية التي يضبط بها عتاة المجرمين الهاربين، فهو أمر سيظل غامضا ومثيرا للتأويل والشائعات إلى أن تظهر الحقيقة يوما ما.دعك من أنه كان وزيرا قبل دقائق من اعتقاله، رغم أن المنصب له اعتباره واحترامه أيا كان شاغله ــ ولكن لأنه مواطن يفترض أنه بريء حتى تثبت إدانته. أما أن تستباح كرامة الشخص بمجرد اتهامه ويذل ويفضح أمام الملأ ويقرر الإعلام إدانته وإعدامه أدبيا، فذلك ليس من اللياقة أو المروءة في شيء. وإذا أضفت أن الرجل كان قبل دقائق وزيرا في الحكومة القائمة، فإن ذلك يعد ظرفا مشددا كان يستدعي حرصا أكثر على توفير اللياقة والاحترام، للمنصب على الأقل. وأرجو ألا يفهم من ذلك أن لدي أي دفاع عن الرجل أو صلة به، لأن ذلك لا أصل له، ودفاعي الحقيقي هو عن كرامة الإنسان بغض النظر عن جرمه أو هويته.تلك ملاحظة أولى على المشهد. ملاحظتي الثانية أن التعامل مع موضوع الفساد ملتبس ومحير في مصر، حتى يبدو أن للملاءمات السياسية دورها في حسم قضاياه. فثمة أشخاص ملفاتهم تتضمن بعض وقائع الفساد التي وضعت تحت تصرف الجهات السيادية، ومع ذلك تم اختيارهم وزراء، وحفظت القضايا المرفوعة ضدهم. وثمة بلاغات تتعلق بالفساد قدمت إلى مكتب النائب العام، لكنها حفظت في أدراج المكاتب ولم تتحرك لعدة سنوات. ثم إن رئيس جهاز المحاسبات المستشار هشام جنينة ما برح يرفع صوته عاليا منذ ثلاث سنوات، مشيراً إلى وقائع الفساد ومظانه في مختلف أجهزة الدولة، حتى الحساسة منها، ولكن رسالته لم تصل إلى آذان أولي الأمر، حتى بدا وكأن الرجل ينفخ في قربة مقطوعة. أما المفارقة الكبرى فتمثلت في أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه الذي أشاع الفساد في مصر طوال ثلاثين عاما، لم يحاسب على شيء مما حل بالبلد في عهده، وبريء مما نسب إليه. (للعلم المحكمة العسكرية في إندونيسيا أصدرت منتصف شهر أغسطس الماضي أمرا لأسرة الرئيس الراحل سوهارتو الذي اضطر للاستقالة عام ١٩٩٨ بأن تعيد إلى خزينة الدولة ٣٢٤ مليون دولار نهبها أثناء حكمه الذي استمر ٣٢ عاما).الملاحظة الثالثة أنني قرأت تعليقات نشرتها بعض الصحف المصرية أقحمت ثورة يناير ٢٠١١ في قضايا الفساد التي أثيرت أخيرا. خصوصا حين ضبط السيد حمدي الفخراني الذي كان من مؤيدي الثورة متلبسا في قضية رشوة هذا الأسبوع، فكتب أحد الزملاء منتقدا الشامتين الذين سارعوا إلى توظيف القضية في التشهير بالثورة، وكان عنوان مقالته: بكابورت ٢٥ يناير (محمد أمين ــ المصري اليوم ــ ٧/٩)، وشاءت المقادير أن يلقى القبض على وزير الزراعة بعد ٢٤ ساعة من نشر واقعة ضبط الفخراني، وهو ما بدا ردا على ذلك الزعم الفج، لأن الربط بين الفخراني و٢٥ يناير يسوغ الربط بين وزير الزراعة و٣٠ يونيو.الملاحظة الرابعة أننا بحاجة إلى الاتفاق على تعريف للفساد الذي تخوض السلطة معركتها ضده. ذلك أن الفساد عند العرب هو البطلان، وهو نقيض الصلاح. وهو في معجم أوكسفورد يقصد به كل انحراف أو إخلال بالنزاهة في الوظائف العامة. لذلك فإن حصر الفساد في جرائم الأموال العامة يعد تعريفا منقوصا ومبتسرا له، لأن ذلك بعض الفساد وليس كله. فتزوير الانتخابات فساد ومخالفة أحكام الدستور فساد وانتهاكات حقوق الإنسان من الصور القصوى للفساد والمحسوبية فساد...إلخ. لذلك أزعم أن الحرب على الفساد إذا أخذت على محمل الجد ينبغي أن تشمل تلك الجبهات وأمثالها. ذلك أن الفساد أنواع، منها الاقتصادي ومنها السياسي ومنها الإداري والتركيز على جانب دون آخر موقف انتقائي يشكك في جدية الموتجهة المنشودة.الملاحظة الخامسة والأخيرة أن الفساد موجود في كل المجتمعات وإن كانت فرصته أكثر في المجتمعات غير الديمقراطية التي تحتكر فيها السلطة وتغيب فيها الرقابة والمساءلة وتهدر قيمة القانون. ورغم انتشاره إلا أن الفرق بين مجتمع وآخر يقاس بطبيعة الدوائر التي ينتشر فيها (رأس السلطة أو قاعدة المجتمع) ومدى التسامح أو التشدد معه من الناحية القانونية.هي حرب طويلة حقا لكن الجادين وحدهم يكسبونها في نهاية المطاف.