15 سبتمبر 2025
تسجيلهذا تعديل تشريعي مشكوك في براءته وخطير في دلالته ومفجع في رسالته. أتحدث عن التعديل الذي أدخل على قانون مجلس الدولة، الذي له أهميته في مصر لأنه ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمع. ولهذا السبب فإنه اعتبر من القوانين المكملة للدستور التي تحتاج إلى أغلبية الثلثين لإقرارها. وهو ما تم في جلسة الإثنين ٨ أغسطس الحالي. أهم ما في التعديل أنه أضاف مادة جديدة تحت رقم ٥٠ مكرر، جاءت مكملة لنص المادة ١٩٠ من الدستور التي قضت باختصاص مجلس الدولة دون غيره بالفصل في منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، حيث قصرت الاختصاص بنظر إشكالات التنفيذ ومنازعاته المتعلقة بالأحكام الصادرة عن مجلس الدولة على المحاكم دون غيرها. ونصت على أن رفع الإشكال يؤدى إلى وقف تنفيذ الحكم المستشكل عليه. وأوجبت المادة على المحكمة أن تفصل في الاستشكال خلال ٣٠ يوما من تقديمه. وذلك دون أخذ رأى هيئة مفوضي الدولة. ويظل الأثر الواقف للإشكال منتجا لآثاره حتى تفصل فيه المحكمة المختصة أو تصدر دائرة فحص الطعون المختصة بالمحكمة الإدارية العليا أو محكمة القضاء الإداري حكمها في طلب وقف تنفيذ الحكم المنظور أمامها، ولا يترتب على رفع الإشكال أمام أي محكمة أخرى وقف تنفيذ الحكم. هذه المادة التي تبدو وكأنها تعديل تشريعي بريء يتعذر افتراض حسن النية فيها أو القصد منها إلا باسترجاع خلفياتها. ذلك أننا لا نستطيع أن نفصلها عن القرار التاريخي الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في ٢١ يونيو الماضي، وقضت فيه ببطلان توقيع ممثلي الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود، استنادا إلى ما استقر في يقين المحكمة بشأن السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير. الأمر الذي يبطل التصرف فيهما لأي دولة أخرى تحت أي ظرف. هذا القرار فاجأ الحكومة ووضعها في موقف حرج، لأنه جاء معطلا لآثار القرار السياسي بخصوص الموضوع. كيف تصرفت الحكومة إزاء ذلك؟ الإجابة فيما يلي: تقدم أحد المواطنين "الشرفاء" باستشكال أمام محكمة عابدين لوقف تنفيذ حكم مجلس الدولة. وتحدد يوم ٣٠ أغسطس لنظر الدعوى. وكان مثيرا للانتباه أن الطلب قدم إلى محكمة غير مختصة، لأن أحكام القضاء الإداري وفقا لدستوري ٢٠١٢ و٢٠١٤ وقانون مجلس الدولة، لا يوقف تنفيذها إلا حكم صادر عن المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم. في رأى الأستاذ خالد علي رئيس فريق الدفاع عن مصرية الجزيرتين، فإن إصدار التعديل التشريعي لا يستهدف فقط وقف تنفيذ حكم الجزيرتين، ولكنه يفتح الباب واسعا لتهرب الحكومة من الالتزام بأحكام مجلس الدولة التي لا ترضى عنها. وذلك بمجرد رفع إشكال التنفيذ، ودون الرجوع إلى رأي مفوضي الدولة. ويضيف أن السيناريو المتوقع يستهدف استصدار حكم من المحكمة غير المختصة يوقف تنفيذ قرار مجلس الدولة لفرض واقع على الأرض، يسمح للحكومة بعرض الاتفاقية على مجلس النواب. إلا أن ذلك لن يوقف الإشكال القانوني لأنه حتى في حالة صدور حكم يوقف التنفيذ فإنه ذلك سيشكل صداما مع مجلس الدولة، ليس فقط لعدم اختصاص المحكمة التي عرض عليها الاستشكال ولكن أيضا لأن القرار الصادر في هذا الصدد من محكمة عابدين يسري منذ يوم صدوره، ولا يجوز له أن يطبق بأثر رجعي ليشمل قرار مجلس الدولة الصادر في ٢١ يونيو الماضي. ما عاد هناك شك إذن في أن التعديل أريد به إيقاف تنفيذ حكم مجلس الدولة بخصوص بطلان اتفاق جزيرتي تيران وصنافير. ولسنا نبالغ إذن إذا أطلقنا عليه "تعديل الجزيرتين"، أسوة بما حدث حين صدر القانون الذي يجيز لرئيس الجمهورية عزل رؤساء الأجهزة التي ينص الدستور على استقلالها وأطلق عليه آنذاك "قانون جنينة"، حيث أدرك كثيرون من ملابسات إصداره أنه أريد به عزل المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات الذي رفع الرضا عنه لأنه سبب إزعاجا للأجهزة السيادية. إذا صح ذلك الاستنتاج فإنه يستدعي المخاوف التي أشرت إليها من حيث خطورة دلالة التعديل وفاجعة رسالته. ذلك أن إقرار التعديل يعد التفافا على القانون والدستور وإساءة استخدام سلطة التشريع، الأمر الذي يهدر قيمة القانون ويشكل إهانة لقضاء مجلس الدولة. في الوقت ذاته فإننا نصبح بصدد حالة تتدخل فيها الحكومة بصورة غير مباشرة في الأحكام القضائية لكي تصدر لصالحها، والتدخل هنا ليس مقصورا على ولاية القضاء لكنه تدخل أفدح في سلطة القانون. وهو ما يوسع من دائرة الشبهات التي تمس جوهر العدالة. على صعيد آخر فإن استخدام مجلس النواب لتمرير التعديل ووقف تنفيذ حكم مجلس الدولة يضعف الثقة في دور البرلمان، الذي يثبت لنا كل حين أنه يمثل الحكومة ولا يمثل الشعب. وهو ما يشككنا في قدرته على تحمل الأمانة والمسؤولية المنوطة به بمقتضى الدستور. وسيكون محزنا حقا أن يقول قائل بأن ائتلاف "دعم الدولة" الذي يمثل الأغلبية البرلمانية، بات مطلوبا منه بعد الذي جرى أن يحدد للرأي العام في مصر أي دولة يدعمها!