19 سبتمبر 2025
تسجيلقال الخبير الإستراتيجي في البرنامج التلفزيوني إن دولة قطر متورطة في أحداث الفتنة التي شهدتها أسوان، وفجرت الصراع المسلح بين قبيلتي الهلالية والدابودية، مما أسفر عن مقتل 25 شخصا وإصابة خمسين. وفي روايته لما جرى ذكر أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كان قد زار الخرطوم قبل ثلاثة أيام من انفجار الأحداث في أسوان. وهناك قدم مليار دولار وديعة للحكومة السودانية، وبعد سفره صدرت التعليمات لأحد القيادات الإخوانية في أسوان للتحرك الذي أفضى في النهاية إلى إطلاق شرارة الفتنة على النحو الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه، ولأن الكلام كان منفصلا على الهوى السياسي فإنه تحول إلى عناوين للصحف في صبيحة اليوم التالي. وقد شاء ربك أن تنشر بوابة «الشروق» بعد 48 ساعة تقريرا كان عنوانه «حقيقة ما يحدث في أسوان»، كتبه أحد الباحثين الشبان، هو مصطفى الأسواني. في روايته ذكر صاحبنا أن البعض عمد إلى نسج الأكاذيب حول ما جرى، تارة بدعوى أن الإخوان كانوا طرفا فيها، وتارة أخرى بزعم أن ثمة خلافا سياسيا بين القبيلتين حول ترشيح المشير السيسي لرئاسة الجمهورية، تطور إلى صدام مسلح أسقط القتلى والجرحى. ثم أورد الباحث الأسواني تفاصيل ما جرى، فقال إنه في مساء الثلاثاء الأول من أبريل ذهب بعض الشبان من الدابودية ذوي الأصول النوبية لشراء مخدرات من أحد التجار المعروفين من قبيلة بني هلال، وإذ اختلفوا حول السعر وملاءمته للكمية المباعة فإن الخلاف تحول إلى اشتباك، ولأنهم كانوا على أرض الهلالية فقد تم الاعتداء بالضرب على شباب الدابودية، وهو ما أثار غضبهم، فتجمع نفر من أقرانهم صبيحة اليوم التالي أمام المدرسة الثانوية الصناعية لنصرة إخوانهم الذين ضربوا، وافتعلوا مناوشات ومضايقات لسكان المنطقة من أبناء قبيلة بني هلال، وكتبوا عبارات مسيئة تمس شرف سيدات القبيلة، وتم الرد عليها بعبارات مماثلة، فتجددت الاشتباكات، وحاول بعض الأهالي الفصل بين الطرفين إلا أنهم فشلوا. عصر الأربعاء انعقدت جلسة صلح عرفية بين طرفي النزاع، حضرها شيوخهما، وفي أثناء الجلسة تطاول عدد من أبناء الدابودية بالسب والشتم على الحاضرين من الهلاليين، وتطور الأمر إلى مشادات كلامية قلبت الجلسة وحالت دون التوصل إلى أي اتفاق. مساء الأربعاء شن عدد من أهالي قبيلة بني هلال هجوما مسلحا على منازل عدد من أهالي قبيلة الدابودية، وقاموا بإشعال النيران في منازل أخرى، وخلال دقائق معدودة احتشدت عوائل القبيلتين وخرجت حاملة ما لديها من أسلحة، وحين تحركت القوات الأمنية في محاولة للحيلولة دون التحام الغاضبين فإن الطبيعة الجغرافية لمنطقة السيل الريفي وتلاصق المنازل بعضها ببعض حالا دون ذلك. وفاقم الموقف أن مجموعة من راكبي الدراجات البخارية ظلوا يطوفون بالمنطقة ويطلقون النيران بطريقة عشوائية. ظهر الخميس انعقدت جلسة صلح عرفية بحضور عدد من كبار العائلات والقبائل، اتفقت فيها على إبرام هدنة بين القبيلتين والفصل بينهما تماما بواسطة قوات من الجيش والشرطة، وصلت بعد تدخل من المحافظ ووزير الدفاع. استمرت الهدنة حتى ظهر الجمعة إلا أن بعض أبناء الدابودية قاموا باختطاف بعض أبناء قبيلة بني هلال أثناء خروجهم من صلاة الجمعة واحتجزوهم كأسرى، الأمر الذي أدى إلى تجدد الاشتباكات مرة أخرى التي استخدمت فيها مختلف الأسلحة. وازداد الأمر حرجا حين توافد أبناء النوبة من أنحاء محافظة أسوان لمساندة إخوانهم من الدابودية، وتضاعف التعقيد والحرج حين أطلق المتقاتلون النار على قوات الأمن حتى لا تفصل بينهم، ولكي يصفي كل طرف حسابه مع الآخر بصورة مباشرة، وترتب على ذلك ارتفاع عدد القتلى بحيث وصل عددهم إلى 25 بينهم 18 من بني هلال وستة من الدابودية. تواصلت الجهود مساء الجمعة من جانب الجيش والشرطة للسيطرة على الموقف، ثم جاء رئيس الوزراء (وزير الدفاع لم يكن معه كما ذكرت أمس خطأ). تفاهم شيوخ القبيلتين فيما بينهم إلى أن تم التوصل إلى هدنة استصحبت تهدئة الموقف وفتح الطرق المقطوعة وإطلاق سراح شباب القبيلتين المعتقلين باستثناء المتهمين في قضايا جنائية. أيا كان الاختلاف في التفاصيل التي ذكرها الباحث مع تلك التي أوردتها الصحف بعد ذلك، فالشاهد أن كل الروايات التي نشرت لم تذكر شيئا عن دور الشيخ تميم والمليار التي دفعها والتعليمات التي صدرت من الخرطوم لإشعال الفتنة في أسوان، إلى آخر القصة التي حبكها وضللنا بها الخبير الإستراتيجي المزعوم، وهو ما ذكرني بما قرأته مرة منسوبا إلى أحد الساخرين الكبار في مصر، لا أعرف إن كان جلال عامر أو بلال فضل، من أنه في صغره انبهر بلقب الخبير الإستراتيجي، وتمنى أن يكون منهم حين يكبر، ولكن أهله نهروه وأصروا على أن يكمل تعليمه، وهو ما أقنعني بأن أولئك الساخرين لا يهزلون ولا يقولون أي كلام، ولكنهم حكماء يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء وخفة الظل.